وإن هذا العلم الذي ثبت بالعيان والشهادة هو الذي يبنى عليه الحساب والعقاب؛ ولذا قال تعالى:
* * *
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨)
* * *
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ)، أي يكون الوزن للأعمال وزنا حقا ثابتا لَا يميل إلى باطل، ولا يكون مبنيا إلا على الحق، و " الوزن " مبتدأ و " الحق " خبره، وتعريف الطرفين يكون دالا على القصر، أي أن الوزن يكون مقصورا على الحق لَا يأتي بباطل، فهو مقياس دقيق يميز خير الأعمال من شرها، (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)، موازينه جمع ميزان، أي من رجحت كفة موازينه بأن كانت أعماله في كفة الميزان كبيرة ثقيلة، (فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون، أي أنهم المفلحون وحدهم لا يفلح غيرهم، وذلك لتعريف الطرفين، والإشارة إلى من ثقلت موازينه، وهنا يقال: أن الميزان واحد، فلماذا كان التعبير بالجمع بكلمة (موازينه)؟ فنقول في الإجابة عن ذلك، إنه لتعدد الأعمال الوزونة يكون كل صنف منها قد ثقل فيها ميزانه، فيكون قد ئقلت موازينه.
وكذلك يقال فيمن خفت موازينه، وقد قال تعالى فيمن خفت موازينه:
* * *
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (٩)
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ) أي علت كفة أعمالهم لخفتها، فأولئك بسبب هذا خسروا أنفسهم، والتعبيص هنا بقوله تعالى: (خَسِرُوا أَنفُسَهُم) وهي كناية عن أن العذاب ينزل ولا يخفف عنهم، وخسران نفوسهم في هذا يشير إلى معان ثلاثة:
أولها - أنهم هم الذين كانوا بأعمالهم في الدنيا عاملين على خسارتها، فلم تكن الخسارة لاحقة بهم من غيرهم.


الصفحة التالية
Icon