ثانيها - أن العذاب خسحارة للنفس أي خسارة، وأنهم هم الذين جلبوا لها هذه الخسارة الخالدة.
ثالثها - أنهم كانوا يحسبون في ضلالهم في الدنيا أنهم يكسبون بغطرستهم وكبريائهم واغترارهم بمظاهر القوة فبين الله تعالى أنهم الأخسرون أعمالا، وذلك عند ميزان الأعمال بميزان الخير والشر، لَا بميزان الغرور والاستكبار.
وقوله تعالى: (بِمَا كانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)، أي أن هذه الخسارة التي خسروا بها أنفسهم بسبب أنهم كانوا مستمرين طول حياتهم الدنيوية مكذبين بآياتنا الدالة على وحدانية الله - سبحانه وتعالى - وأضاف - سبحانه وتعالى - الآيات إليه للإشارة إلى عظم تكذيبهم، لأنهم يكذبون الآيات المنسوبة إليه - سبحانه وتعالى - فتكذيب أكبر من في الوجود، ومنشئ الوجود، أكبر تكذيب وأكبر ظلم.
وقدَّم قوله تعالى: (بِآيَاتِنَا) على (يَظْلِمُونَ)؛ لأن آيات الله هي محور الحق وميزانه وبرهانه، ونلاحظ هنا أن ظلم ويظلم تتعدى بنفسها من غير باء، وهنا تعدت بالباء، ونقول في ذلك: إن ظلمهم كان لتكذيبهم بالآيات وكفرهم بها، فكان التعبير بقوله تعالى: (بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) تضمن معنى التكذيب والكفر والظلم وذلك ضلال كبير؛ ولذا تعدى بالباء.
وهنا موضوع يجب أن نذكره وهو يتعلق بقوله تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئذٍ الْحَقُّ) وقوله تعالى: (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ) أيكون يوم القيامة وزن حقيقي حسي وموازين حقيقية حسية؟ أم هذه كناية عن إحقاق الحق وأن يعطى كل امرئٍ حقه، فلا يضيع لمحسن حسنة، ولا يحمل مسيء فوق إساءته.
نقول في الجواب عن ذلك: إننا نؤمن الإيمان كله بأن يوم القيامة ونعيم الجنة وعذاب جهنم وغيرها من أحوال اليوم الآخر كلها حسي، ولكن نميل إلى قول ابن عباس إلى أن المذكور في القرآن عن نعيم وطعام الذين كتبها الله تعالى


الصفحة التالية
Icon