ذكر - سبحانه وتعالى - في هذه الآيات وما يليها قصة خلق آدم ومعاندة إبليس، وقد سبق ذكرها في سورة البقرة وليس ذكرها هنا تكرارا لما ذكر هناك أولا، فإنه إذا كررت بعض الوقائع، فإنه قد زيد هنا الفتنة التي فتن به الشيطان النفس البشرية فعلا، وهي تشابه مع ما أدى إليه الاندفاع وراء إبليس من بدء السورة، وأن آدم وحواء قد بدآ يخصفان عليهما من ورق الجنة، فقد فتن المشركين، حتى جعلهم يطوفون عراة كما أدت وسوسته لآدم وحواء إلى أن بدت لهما سوءاتهما.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ).
الخلق الإنشاء، والتقدير خلق الله تعالى الناس من الطين، فقال له كن فكان إنسانا، ثم صوره على هذا الشكل الإنساني الذي جعله في أحسن تقويم، و (ثُمَّ) هنا ليست للتراخي الزمني، فإن ذلك إنما يكون بالنسبة للحوادث، أما بالنسبة لله تعالى فلا تفاوت ولا تراخي؛ لأن الزمن لَا يكون بالنسبة لله تعالى، إنما هو التفاوت بين حالي الخلق، وإن كان كلاهما يتم بقوله تعالى: (... كُن فَيَكُونُ).
بعد أن تم خلق الإنسان الأول وهو آدم، كرمه الله تعالى بأن أمر الملائكة بأن يسجدوا، لعلمه بالأشياء، إذ علمه الله تعالى الأسماء كلها، وهذا قد ذكر في سورة البقرة، ولم يذكره هنا، وعلى ذلك لم يكن تكرارا.
وقوله تعالى: (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (ثُمَّ): هنا للتفاوت بين تقويم الخلق والتكوين والأمر بالسجود.
واستثنى من إطاعة الأمر فتي السجود - إبليس، والاستثناء لأنه لم يسجد، سواء أكان الاستثناء متصلا؛ لأنه من جملة من كان مع الملائكة أم كان منقطعا، فإنه لم يسجد، مع أن الأمر بالسجود يشمله، فلم يكن منه سجود، سأله الله تعالى عما منعه من أن يسجد قائلا له تعالت كلماته:
(مَا مَنَعَكَ أَلَّاتَسْجُدَ إِذْ


الصفحة التالية
Icon