تكبر في غير موضع تكبر، وكذلك شأن المتكبرين دائما، فقال: (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا) أي في الجنة، فليس من شأن هذا المكان الطاهر أن يكون فيه تكبر من مخلوق على مخلوق، ولذا قال (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الصاغر هو الذليل، أو الأذل، من الإذلال، وهذه معاملة له بعكس ما يريد يبتغي لنفسه ابتغى الكبر فعاقبه الله تعالى بالإذلال، وشأن المتكبرين دائما أنهم يستعلون، فيذلهم الله، و " الفاء " في قوله تعالى: (فَاخْرُجْ) تشير إلى أن سبب الأمر بالهبوط هو التكبر، والمعنى إذا كنت تتكبر ذلك التكبر فالأولى لنفسك أن تهبط فتكون من الصاغرين.
ولكن إبليس اللَّجوج لم يرد أن يترك جهلا محادته لله - سبحانه وتعالى -
* * *
(قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤)
* * *
أي أمهلني فلا تعجل بموتي إلى يوم يبعثون، وقد ذكر من بعد ما يريد عمله من ذلك الإمهال وهو إضلال الناس، فأجابه الله تعالى - وهو العزيز الحكيم - إلى مطلبه ليتحقق اختيار الإنسان، وسلطان إبليس عليه أو على الأشقياء من خلقه.
* * *
(قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
* * *
وإبليس الذي كان في غفلة قال من بعد ذلك مبينا لماذا كانت المهلة التي طلبها، قال إبليس:
* * *
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
* * *
الإغواء إيفاع الغي في القلب، وهنا نجد أن إبليس يعترف بسلطان الله تعالى الكامل على العقول والنفوس، وأن الغفلة التي سترت مداركه، وأضلت تفكيره هي بإرادة الله تعالى وبعمل منه، وقوله تعالى عن إبليس: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) اللام لام القسم، و " أقعدن ": تأكيد لقصده الآثم (صرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ظرف مكان أي لـ أقعدن لهم في صراطك المستقيم، وأضلهم، حتى لا يسيروا، في هدى، بل يسيرون في مسارات مختلفة يضلون فلا يهتدون سبيلا.
وبين إبليس أنه يحيط بالأشرار فلا يفلتون منه، فيقول:
* * *
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)
* * *