أولهما - أنه نهاهما ولم ينتهيا وقال لهما: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) أي لقد نهيتكما عن تلكما الشجرة نهيا مؤكدا، ولكن أكلتما كما قال في آية أخرى: (... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).
الأمر الثاني - أنهما أطاعا الشيطان في تغريره، وحسبا أنه ناصح، وقد بين الله تعالى أنه عدو واضح العداوة، ولذا قال: (وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمَا عَدُو مُّبِينٌ) أي لقد قلت مؤكدا القول: إنه عدو واضح العداوة فما كان لكما أن تغترا به، أحس آدم بغرور الشيطان الذي ظهر في أثر العصيان، وأنهما بالعصيان ما صارا ملكين ولا صارا في الخالدين.
فقالا نادمَيْن:
* * *
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)
* * *
اتجهوا معترفين بذنوبهم مقرين بخطئهما وقد أحسوا بأن مغبة العصيان وقعت فنادوا ربهم (رَبَّنَا).
وهنا حرف نداء محذوف، وهو نداء ضراعة وخشية: أي يا ربنا ظلمنا أنفسنا، وظلمهما لأنفسهما كان باديا لعيانهما عندما ذاقا الشجرة فقد بدت لهما سوءاتهما وأخذا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وظلما أنفسهم بعصيان الله وذلك ظلم مبين، وظلمهما أنفسهما باغترارهما بالشيطان وقد قال لهما ربهما: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُو مُّبِينٌ) واضح العدوان.
كان هذا الإحساس العميق بظلم أنفسهما مصحوبا بضراعة إلى الله تعالى أن يغفر لهما ويرحمهما، ولذا قالا: (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) يطلبان المغفرة من الله تعالى ولا يكتفيان بها، بل يطلبان مع المغفرة أن يتغمدهما الله برحمته، ولئن لم تكن المغفرة والرحمة ليكونن من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بظلمهم لها وخسروا غفران الله تعالى ورحمته، وذلك هو الخسران المبين.
ولذا قال الله تعالى:
* * *
(قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤)
* * *


الصفحة التالية
Icon