ويبين الله مواقع القتال يوم بدر الذي انتهى بالنصر المؤزر، وإذ يربي الله تعالى قوة روح المؤمنين برؤية الأعداء في المنام قليلًا، (وَلَوْ أَرَاكهُمْ كثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ...) وإنه في رؤية العيان تستقلونهم لتتقدموا، ويستقلونكم لأنكم فعلا قلة، وذلك (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا..).
ويدعو الله تعالى إلى الثبات مكررا له؛ لأن الثبات في الصدمة الأولى هو قوة الصبر كما قال النبي - ﷺ -: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " (١).
ويدعو مع الثبات إلى ذكر الله تعالى؛ لأنه عدة الأتقياء، وينهى عن التنازع حتى لَا تذهب القوة، ولا يكن خروجكم بطرا بالمعيشة ورجاء الترف أو رئاء الناس فإن هذه هي مفاسد الجهاد، ولا يصح أن يزين الشيطان لكم ويركبكم ويقول لكم: (لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ.. -) وإذ التقى الجمعان قال إني بريء منكم.
وعندئذ يجد المنافقون سبيلًا إلى جموعكم، ويقولون: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ..)، فاطرحوا الشيطان وغروره، وتوكلوا على الله، وإن الملائكة يضربون وجوه الكافرين وأدبارهم عند موتهم، وقد ضرب الله تعالى الأمثال بآل فرعون إذ أخذهم الله بذنوبهم، وإذ كذبوا، وإن الله تعالى: (لَمْ يَكُ مُغَيِرًا نِّعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ..).
ومن بعد ذلك يعود إلى الجهاد، والوقوف أمام الأشرار وحربهم، والاستعانة بالعهد لمن يقدم عهدا، إن وفوا (وَإِمًا تَخَافَنَّ مِن قوْم خِيَانَةً فَانبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ..) وإنه يجب أن يكون المؤمنون على حذر واستعداد (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠) وأنه مع وجوب الاستعداد والإعداد، (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ..)
________
(١) متفق عليه، من حديث أنس بن مالك عن رسول الله - ﷺ -، وقد سبق تخريجه.