وقد بين سبحانه أن ملاحظة هذه الأمور هي نور الإيمان وموجبته، ولا إيمان إلا كانت معه هذه الأمور؛ ولذا قال تعالى: (إن كنتُم مُّؤْمِنِينَ) أي إن كان الإيمان حالة نفسية ملازمة لكم.
وقد قال الزمخشري: " جعل التقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله من لوازم الإيمان وموجباته؛ ليعلم أن كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها ".
وبعد أن ذكر المؤمنين الكاملين أخذ سبحانه وتعالى يبين صفاتهم فقال تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
ذكر الله بعد أن ذكر موجبات الإيمان من إصلاح ذات البين والتقوى والطاعة ذكر سبحانه صفات المؤمنين، فذكر صفتين معينتين، وعملين تدفع إليهما قوة الإيمان.
أول الأمرين الأولين - ذكره الله تعالى بقوله تعالت كلماته:
(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)، الوجل الخوف منه والفزع إليه، فالله سبحانه هو مالك الوجود من استحضر عظمته وجلاله وكبرياءه وملكوته خافه وفزع إليه في الملمات، وركن إليه مطمئنا إلى ساحته العظمى، فهو المخوف المحبوب المرجو في الملمات؛ ولذا جاءت هذه الآية تقول: إن القلوب توجل لذكره، أي ترهبه وتحس بعظمته، وتعتمد عليه وحده، وتطمئن بالالتجاء إليه، كمن يخاف رجلا عظيما، فيرهب قوته، وفي الوقت ذاته يطمئن إليه؛ ولذلك قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فهو المخوف الذي يركن إليه.
وقال تعالى جامعا بين وجل المؤِمن واطمئنانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ).