وهاتان صفتان أو عملان لهما مظهر عملي، ولهما مظهر نفسي إيجابي: أولاهما - إقامة الصلاة؛ أي الإتيان بها مقومة على وجهها من أداء الأركان الحسية مستوفاة، وأن تكون مصورة للمعاني الروحية من خضوع وخشوع، واستحضار لصفات الربوبية بأن يكون قائما بحق الله فيها كأنه يراه، مستشعرا الإحساس بأنه في حضرة الله تعالى جل جلاله، وبذلك تتحقق للصلاة خاصيتها، وهي أنها تجانب المرء من فعل السوء، كما قال: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...)، فليست الصلاة نقر كنقر الديكة، ولكنها تجرد لله تعالى، وانصراف، وقضاء وقت في حضرته.
والتعبير بالمضارع في قوله تعالى: (يقِيمُونَ الصَّلاةَ) يفيد المداومة عليها في أوقاتها من غير تخلف؛ لأن التعبير بالمضارع يفيد التجدد المستمر الدائم، والمحافظة عليها من غير انقطاع.
وإن الصلاة فريضة عملية مهذبة تجريدية لله سبحانه وتعالى، وهي فريضة اجتماعية، لتأليف مجتمع متحاب متواد مترابط بصلات من الرحمة والتعاون، يجمعه الإلف الروحي والطهر والإخلاص والالتقاء عند الله تعالى في كل يوم خمس مرات.
ومهما يكن فالأساس في أمر الصلاة أنها تهذيب روحي، وتأليف اجتماعي على الطهر، واجتماع على الألفة والمودة والرحمة. أما الزكاة فهي تعاون اجتماعي، وقد ذكر النبي - ﷺ - أنها مغنم لَا مغرم، لأنها تغني الفقراء، وتدفع الآفات الاجتماعية الناجمة عن الفقر، ولقد قال تعالى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) أي أن الزكاة من رزق الله تعالى، لَا منَّ فيها، فالله هو المعطي وهو المنفق وهو الآمر وهو المكلف، فتقديم الجار والمجرور، لبيان الاختصاص أو القصر، أي أن الإنفاق مما أعطاه الله دون غيره، وفيه من الاهتمام بأنه من رزق الله الذي رزقه للأغنياء ليعطوا منه للفقراء، فالمال مال الله، والجميع عباد الله، فهو يأخذ من مال الله ويعطي عباد الله. وإن الله اختبر بعض الناس بالمال وجعلهم مستخلفين، كما