وفى هذا التعبير إشارة إلى معنى من معاني العتب، وتنبيه إلى أن الواجب هو طلب القوة، لمن كان المشركون يستضعفونهم، فيبدل الله تعالى من خوفهم أمنا، ومن استضعافهم قوة، وتمكينا في الأرض؛ ولذلك يقول الله تعالى: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ).
عبر الله تعالى بقوله يودون في جانبهم، وعبر بقوله (يرِيدُ اللَّهُ) دون " يود " للإشارة إلى أن ذلك من جانب الله إرادة، وإرادة الله نافذة وهي المصلحة وهي الخير، وكان التعبير في جانبهم بقوله: (وَتَودُّونَ) للإشارة إلى أنه مجرد ود، ولم يصر إرادة، وكيف يريدون ما لم يرد الله تعالى، وكيف وهم المؤمنون حقا وصدقا، وإرادة الله إعلاءً لهم، وميلهم ميل إلى ما هو أدنى.
وقد عبر سبحانه عن إرادة الشوكة والقوة بقوله:
(لِيحِقَّ الْحَقَّ) أي أراد سبحانه وتعالى ذات الشوكة، ليقوى الحق ويثبته ويؤيده ويؤكده، وليكون له الكلمة العليا، وتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى، فمعنى إحقاق الحق إعطاؤه حقه من التأييد والتثبيت والنصر والاستعلاء على الباطل وخفض نقيضه. وذكر الله تعالى نتيجة إحقاق الحق وليقطع دابر الكافرين؛ وذلك لأن نصر الحق وإعلاءه خبصٌ (١) للكفر شيئا فشيئا، حتى تذهب قوته ليجتث من أرض العرب احتثاثًا، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته: (وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) الدابر هو الخلف، وعبر بذلك كناية عن أن لَا يبقى من الكافرين من يجهر بكفره، ويعاند الله تعالى، ويستعلى عليه، وذلك فيه تشبيه للكفر بالجيش الذي يولِّي مدبرًا، ويقاتل بقناه (٢) حتى يقضى عليه بقطع أدباره والقضاء عليه.
هذا ما أراده الله تعالى، وذلك ما كانوا يودونه، وقد أراد الله تعالى لهم العزة، فكان النصر المؤزر، وكانوا قليلًا فكثَّرهم الله، وقوله: (بِكَلِمَاتِهِ)، أي بالقرآن الذي هو حجة، فالتأييد تأييد للقرآن الكريم.
ثم أكد سبحانه معنى تأييد الحق، فذكر أنه سنة الله في تأييد الإيمان، وإبطال الشرك وهو الباطل: فقال عز من قائل:
________
(١) أي القفاء عليه شيئا فشيئا، من خبص خبصا: مات. لسان العرب.
(٢) أي يَسلب سلاح العدو ويُقاتل به.