يقال: غشَّاه، بمعنى غلبه النوم، و (غَشَّى) ((أغَشى) يجوز فيها التعدية بالتضعيف وبالهمزة، كقوله تعالى: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ).
وكقوله تعالى: (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥).
وغشاهم الله تعالى بالنعاس أي وضعه على عيونهم كأنه غشاء من نعاس.
ونعاس مفعول ثان.
و (أَمَنَةً) مصدر أمن، والمعنى غشاهم الله تعالى بالنعاس آمنين، أي لأجل أن يكون ذلك أمنا لهم من الخوف، أي للدلالة على أمنهم واطمئنانهم، فإن النعاس أمن وقرار، وبُعد عن الهم، فمع القلق السهر، ومع الأمن النوم.
وإن النعاس عند الإقدام على أمر مهم يقوى النفس، ويشحذ العزيمة، ويذهب القلق والاضطراب، وهو أمارة الاطمئنان، وقد أنعم الله تعالى على المؤمنين، ليلتقوا بالأعداء آمنين مطمئنين راجين النصر، مُحِسِّين بتأييد الله، ومحسين بأن الحق معهم، ولقد قال علي - كرم الله وجهه - في ليلة بدر: " ما كان منا إلا نائم إلا رسول الله - ﷺ -.
والنعمة الأخرى التي ثبت الله تعالى بها قلوبهم نزول المطر، فقد قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً) فقد كان المشركون في مكان فيه ماء، ولم يكن عند المؤمنين ماء فغلب عليهم الظمأ، فوسوست في بعضهم الوساوس، فأنزل الله سبحانه وتعالى الماء حتى سال الوادي، وملأوا الأسقية وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة فجعل الله ذلك الماء طهورا، وثبت به الأقدام إذ لبَّد الله به الأرض، ويقول الحافظ ابن كثير: " وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث الله تعالى المطر عليها فضربها حتى اشتدت وثبتت عليها الأقدام ".
وهذا قول الله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ).
فالماء الذي أنزله الله تعالى سقوا منه، وكان طهورا أذهبوا به رجز الشيطان وهو الجنابة، وطهُروا حسا ومعنى، وربط الله تعالى به على قلوبهم، وثبتهم