وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا).
النداء للمؤمنين بوصف كونهم مؤمنين، والإيمان صبر وفداء، فالنداء بالذين آمنوا تحريض على الصبر واللقاء والثبات، وذكر لقاء الكافرين، وهم كانوا يتمنون لقاءهم لينتصروا لله منهم، وليردوا كيدهم، فكان نداء أهل الإيمان بعنوان الإيمان تحريضا على الثبات والمجاهدة، وكان ذكر لقاء الكافرين تحريضا أشد؛ لأنهم الذين آذوهم وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم؛ ولذا كان النهي بعد التمهيد، فقال: (فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) و " الفاء " واقعة في جواب الشرط، وعبر سبحانه وتعالى عن النهي عن الفرار بقوله تعالى: (فَلا تُوَلّوهُمُ الأَدْبَارَ) ومعنى تولي الدبر، أي أن يتركوا ظهورهم للسيوف تضرب في أدبارهم، وذلك منظر هو من أقبح المناظر وأقبح تصوير للفرار من الميدان بضرب السيف في دبره وقفاه، وإن من ئقتل في صدره لَا ئقتل إلا بعد أن يَقْتل من الأعداء، أما من يُقتل في ظهره، فإنه يذهب دمه عبيطا (١)، لَا يثأر لنفسه.
وقد قال تعالى:
________
(١) ذهب دمه عبيطا أي خالصا طريا.
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
ذكر مفردا فارا؛ للإشارة إلى وجوب التضافر والتآزر، وألا ينفرد بقرار، وألا يكون إلا في جماعة.
وقد استثنى الله تعالى من الذين يتركون الميدان طائفتين لَا تُعدان فارتين، بل تُعدان متقاتلين.
أولاهما - المتحرفة لقتال، والثانية - المتحيزة إلى فئة.
المتحرفة معناها المائلة، والمتحيزة هي التي تتجه إلى حوزة جماعة من جماعة المسلمين.