وإن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك، ليؤيد المؤمنين بنصره، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا) أي ليعامل المؤمنين معاملة المختبر الذي يبليهم بلاء حسنا، أي بلاء نتيجته حسنة دائما، وذلك بأن يكلفهم، وأن يتخذوا هم الأسباب للنصر المؤزر، والعزة والرفعة، وأن تكون كلمة الله على أيديهم هي العليا، وهو العزيز الحكيم، ولقد قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي إن الله عالم علم من يسمع، ومحيط بكل شيء علما.
وإن الله تعالى إذ ينصر المؤمنين ذلك النصر بإرادته وتقديره هو الذي يوهن شأن الكافرين فالله ناصر المؤمنين، وهازم الكافرين؛ ولذا قال تعالى:
(ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨)
الإشارة إلى نصر الله تعالى وما كان من تأييده حتى شرف الله تعالى ذلك القتل والقتال بأن نسبه إليه سبحانه، وأتى بضمير الخطاب للجمع، لإعلام الجميع بذلك النصر، وخبر اسم الإشارة محذوف معلوم من الكلام، أي ذلك النصر المؤزر ثابت لكم وحسبه نعمة أنعم بها عليكم، فالنصر وحده له فرحة شديدة، فتقبلوا نعمة الله فيه، وعطف على هذا النصر أمر آخر جليل في ذاته وهو ثمرة النصر، وهو قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) فموهن معطوف على ما يفهم من الكلام السابق وهو فوق بشرى النصر بشرى إضعاف وتوهين شأن المشركين وكيدهم، لقد كانوا أصحاب القوة والسطوة، والسلطان والشرف في البلاد العربية وكانوا يستطيلون بكل ذلك على المؤمنين، فلما جاء النصر المبين لتلك الفئة الصغيرة واستطالت عليهم ونالت النصر دونهم وهنوا في أنفسهم، وإذا وهنوا في ذات أنفسهم وهن كيدهم للمسلمين، وهو تدبيرهم، وتأليبهم العرب عليهم، وحربهم، وصاروا يرهبونهم بعد أن كانوا يستضعفونهم، ويرون فيهم العزة.
فهذه الحرب المقدسة كان لها ثمرتان دانيتان:
إحداهما - النصر في ذاته، وأن صارت كلمة الله هي العليا وكلمة الشرك هي السفلى، وتلك نعمة أنعم الله تعالى بها عليهم.