ثانيها - ألا يعرضوا عن القول فكرا أو نفسا، وأن يكونوا معه بقلوبهم، وكل جوارحهم.
وثالثها - الطاعة المطلقة فيما لَا رأي فيه، ومراجعة النبي - ﷺ - فيما رأى في حرب، أو مكيدة، كما شاور النبي - ﷺ - في منزل الحرب في غزوة بدر الصحابي حبُاب بن المنذر رضي الله عنه. وهنا إشارة بيانية لابد من ذكرها، هي أن الله تعالى طالب بطاعة الله ورسوله، وعندما نهى عن الإعراض أعاد الضمير مفردا فقال: (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ).
والجواب عن ذلك أن طلب الطاعة لهما لما ذكرنا، ولكن النبي - ﷺ - هو الذي خاطبهم وهو المتحدث باسم ربه عنهم، ولا يتصور أن يكون التولي عن الله تعالى، بل التولي عنه - ﷺ -، وإن نسبة التولي منهم لله تعالى لَا تليق، وإن كانت غير ممكنة.
والنهي عن التولي، وهم في حال يسمعون فيها؛ ولذا قال: (وَأَنتمْ تَسْمَعُونَ) فهو دعوة إلى حسن الاستماع؛ ولذا قال تعالى مؤكدا هذا المعنى:
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١)
أي لَا يكن حالكم كحال الذين يقولون بأفواههم سمعنا، (وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) أي سمعنا، ولم نع ما نقول ولم نتدبره، ونتفكر فيه ونعمل على تنفيذ
ما طلبه القائل، فهم سمعوا بآذانهم، ولم يسمعوا بقلوبهم.
وإن هذا النص يؤخذ منه بالتضمن أن السماع أقسام ثلاثة:
أولها - سماع تفهم وتدبر وإدراك وتنفيذ على بصر وعلم، وهذا الذي يطلبه الله تعالى والنبي - ﷺ -، وهو الذي ذكرناه آنفا.
والثاني - سماع من غير تدبر وإدراك وتبصر، وهذا ما ينهاهم الله تعالى عنه، وهو إن لم يكن نفاقا فهو غفلة عن الحق، وليس سماع وعي وإنصات.


الصفحة التالية
Icon