إلا إذا رأوه ولم ينكروه "، فلا يعترض على عموم الفتنة بقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرَى)، فالعامة لَا يؤخذون بوزر غيرهم إنما يؤخذون بتقصيرهم، وإنه إذا كان الفساد من بعضهم، فأثر الفساد يعم، فإذا شاع العبث، ونتأ برأسه غير مبال بشيء فإن الجماعة كلها مسئولة؛ لأنها لم تأخذ على يد من يدعو إلى الشر، ويعلنه جهارا، ورضيت من المتسلطين ما يفعلون أو لم يستنكروا، ولم يقاطعوا أعمال المنكَرين، ومن يدفعونهم أو يشجعونهم، فكانوا وهم على سواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإنه لَا يكفي أن يكون الأخيار غير مرتكبين ما يرتكبه الأشرار، بل إنه يجب أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن الفتنة الكبرى التي وقعت بعد مقتل الإمام عثمان - رضي الله عنه - وظهور البغي السافر في عهد إمام الهدى عليٍّ وقعت آثاره على المؤمنين، ولنترك الكلمة للإمام الزمخشري في تفسيره فقد قال ناقلا: " روي أن الزبير قال: نزلت فينا وقرأناها زمانا، وما نرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها ". وعن السدي: نزلت في أهل بدر فاقتتلوا يوم الحلبة، وروى أن الزبير كان يساير النبي - ﷺ - يوما إذ أقبل عليٌّ - رضي الله عنه - فضحك إليه الزبير، فقال رسول الله - ﷺ -: " كيف حبك لعلي "؟ فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني أحبه كحبي لولدي أو أشد حبا. فقال: " فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله " (١).
ولقد كان ما انتهى بأن ذهبت الشورى في الإسلام، وصارت مُلكا عضوضا، صالحا أو طالحا، ولكن فقد الحكم قوة الأمة، وأهمل قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ...).
ولم يبق إلا أن نعلم أن الله أنذرنا بعقابه فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وإنا قد علمناه، ولم نرتدع عن غينا، ونسلك طريق ربنا، علمناه وآمنا به، ورأينا بعضه، وهو عقاب الدنيا، فتفرق جمعنا، وتقطع الأمر بيننا، وتحكِّم الأعداء فينا وصرنا نهبا مقسوما، وصار أكثر حكامنا يرتمون في أحضان من
________
(١) ذكره بهذا اللفظ الرازي في التفسيرج ١٥، ص ٤٧٣، والزمخشري في الكشاف: ج ٢، ص ١٥٢.