يذكر الله سبحانه وتعالى ما كان بالمؤمنين من ضعف ليذكروا ما هم فيه من قوة ونعمة، وليشكروه على ما أعطاهم وعلى ما آتاهم، فيقول:
(وَاذْكرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ).
" الواو " عاطفة على قوله تعالى: (اسْتَجِيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) الوقت هنا " إذ " مفعول به، وليست مفعولا فيه، فالذكر ليس ظرفه الوقت، وإنما ذات الوقت هو المذكر، والوقت إذا كان في الوقت يكون مظروفا فيه لَا يعدوه، وأما إذا كان هو المقصود فيكون الذكر لذات الوقت، وما كان فيه من أحداث وأحوال.
والمعنى: اذكروا في زمن العزة زمن الذلة، وصور الله سبحانه وتعالى الحال فقال: (إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ) أي: عدد قليل فإن الإسلام إذ نشأ كان عدد المسلمين قليلا، وكان المشركون يستذلونهم، ويستضعفونهم ويؤذونهم، مرة بالسخرية والاستهزاء، ومرة بالضرب والأذى، ومرة بوضع الحجر المحمى على ظهورهم، حتى كانوا يضطروهم إلى أن ينطقوا بكلمة الكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولم يسلم النبي - ﷺ - من الأذى، حتى إنه ليرمى عليه فرث الجزور وهو يصلي، ومع هذا الاستضعاف في الأرض غير مستقرين في أنفسهم وأموالهم فهم في خوف وفزع واضطراب؛ ولذا وصفهم الله تعالى بقوله: (تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) والتخطف معناه: سلبهم أو سلت أموالهم سريعا من غير تلبث، والتخطف هو موضع الخوف، ولا يكون معه استقرار أبدا، فلا يأمن التاجر، ولا العامل، ولا الزارع، لَا على ماله، ولا على نفسه، ولذلك كانت منهم الهجرة إلى الحبشة، وقد بين الله نعمته بالإيواء والتأييد بالنصر، والرزق من الطيبات.
فقال سبحانه: (فَآوَاكُمْ) بالهجرة إلى المدينة حيث الإخوة بالمدينة الذين آووا ونصروا وعوضوكم عن نصرة القوابة والنسب التي عقَّها الشرك أُخُوَّة الإيمان، وآثروكم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة وقال: (وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ) فجعل لكم الغلب والقوة، وكان يوم الفرقان، إذ جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، وأعزكم بعد ذلك، وصاروا هم - أي الكفار - يخافون الاختطاف


الصفحة التالية
Icon