الإشارة الثانية - أنهم يقولون في الجواب المترتب على هذا الشرط، (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) فذكر السماء؛ لأنه المناسب للإمطار، وليكون أشد؛ لأنه يكون حجارة تنصب على الرءوس انصبابا كانصباب الماء، ولأنه كما قال الزمخشري، يكون سجِّيلا، كالحجارة التي نزلت بأصحاب الفيل، التي حمى الله تعالى بها بيته الحرام من أبرهة الذي أراد هدم البيت.
وإن ذلك النص السامي، كما هو أقصى الجحود والتهكم هو أقصى ما يدل على الحمق والجهل، يروى في هذا أن معاوية بن أبي سفيان دخل عليه رجل من سبأ، وقال له: إنكم قوم تجهلون وليتم عليكم امرأة، فقال الرجل: أنتم أجهل؛ لأنكم قلتم: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، ولم تقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا.
والجواب لمثل معاوية حق؛ لأنه هو وأبوه كانا ممن يظن أنهم قالوا ذلك، وإن أسلموا من بعد وكانوا من المؤلفة قلوبهم وأخذوا مئات من النوق.
إنهم يستعجلون العذاب قبل أن ينزل، وقد بين الله تعالى استحالة ذلك على مقتضى السنة التي سنها الله تعالى مع الرسل وأقوالهم، وهي أن الله تعالى لا يعذبهم والرسل بينهم يدعون، ولذا قال عز من قائل:
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
هذا النص السامي فيه بيان أن الله لَا يعذب الأقوام، والرسول يدعوهم حتى يكون اليأس من إيمانهم كما فعل الله تعالى مع قوم نوح، لقد قال تعالى عند إنزال العزم فيهم (لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ...).
و (اللام) في قوله تعالى: (لِيعَذِّبَهُمْ) هي التي يسميها علماء النحو لام الجحود أي تكون لتأكيد النفي، والمعنى: ما كان من شأن الله العلي الأعلى أن