يعذب المشركين، وأنت فيهم تدعو، ويفشو الإيمان فيهم وقتا بعد آخر، وهؤلاء بهذا الدعاء الذي يجحدون به يستعجلون العذاب، والله فوق أهوائهم وله في خلقه سنة ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلا، ولقد كان النبي - ﷺ - يقول: " أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى " (١).
ثم يقول سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرونَ)، قال بعض العلماء إن العذاب الذي يعم يكون الجميع مستحقونه، فإذا كان فيهم من يستغفر لَا يعمهم العذاب، فمعنى (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي بعضهم يستغفر وعبر بما يدل على الجميع للإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون ذلك، وقيل إن المراد قولهم في الطواف: غفرانك.
وقيل المراد توبتهم إن تابوا.
وينقدح في نفسي أن الأقرب للمعنى أن نقول، (وَمَا كَانَ اللَّهُ معَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) بمعنى يدخلون في دين الله تعالى فوجا بعد فوج، إذن لانقطع السبيل على المستغفرين الذين يجيئون تباعا بإنزال العذاب، بطلب المستعجلين خضوعا لأهوائهم وضلالهم.
وقد نفَى الله عن ذاته العلية الشأن، فقال تعالت كلماته: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ) فنفى اسم الفاعل وهو نفي الوصف القائم بالذات العلية، (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
* * *
________
(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: بدء الخلق - ذكر الملائكة (٣٢٣١)، ومسلم: الجهاد والسير - ما للقي النبي ﷺ (١٧٩٥).