(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
* * *
إن الذنوب مهما تكبر، فباب التوبة مفتوح فما أنزل الله الرسل ليحصوا عدد الذين أساءوا، بل للدعوة إلى الحق، وقد يكفرون فالدعوة تستمر لهدايتهم، ومن يستجب منهم تَجُبُّ استجابته ما كان منه من قبل؛ ولذلك كان الباب مفتوحا، ولذا أمر الله نبيه - مع كفرهم - أن يقول لهم:
(قل للَّذينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ).
يأمر الله نبيه بأن يقول لهم في شأن الذين كفروا متحدثا عن مآلهم إن ينتهوا عما هم فيه من كفر ومشاقَّة للمؤمنين ومحاربة للحق - يغفر لهم ما سلف من أعمالهم، ويدخلون في الإسلام طاهرين مبتدئين حياة جديدة هي طهر وتقى ونقاء. وهناك قراءة بالخطاب، ورويت عن ابن مسعود: " إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف " ولكن القراءة المشهورة الأولى، ويكون المعنى قل مخاطبا لهم إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف.
والتعبير بالذين كفروا في موضعه؛ لأنهم متلبسون بالكفر، ومع تلبسهم بالكفر، إن ينزعوه من إهابهم ويلبسوا لباس الإيمان وينتهوا من أرجاسه يغفر لهم ما قد سلف؛ لأن الإسلام يجُبَّ ما قبله، وعبر عن الإيمان بعد الكفر بـ " الانتهاء " للإشارة إلى أن الفطرة هي الإيمان، وأن الكفر عارض على النفس وهو حال قابلة للانتهاء، وإذا انتهت عاد الطهر والنقاء.