الدعوة الإسلامية، وأن تصل إلى الناس، والقتال يستمر إلى أن يزول سببه، وأن يكون الدين كله لله تعالى بأن يطلب الرجل الدين خالصا لَا إرهاق ولا ضلال، بل يعتقد ما يعتقدا مخلصا لله طالبا وجه الله والحق لَا يبغى سواه، وهذا معنى قوله تعالى: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)، وإنه إذا طلب الدين كله لله سبحانه وتعالى، لَا يفكر فيه كله إلا من هو لله مخلص مستقيم فإنه لَا يمكن أن يكون مشركا، بل لابد أن يكون مؤمنا بالله الواحد الأحد الذي ليس بوالد ولا ولد، فإنه حينئذ يسلم كل أمر في وجهه لله تعالى بعيدا عن تأثير الملوك والرؤساء، وتضليل المضلين، هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)، أي يكون التدين كله لله تعالى.
إن نهاية القتال تكون بانتهاء الفتن في العقيدة، وأن يكون طلب الدين، وقد قال تعالى: (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) والمعنى إن انتهوا عن الشر والاعتداء والفتنة في الدين، والإيذاء في الاعتقاد، فإن الله تعالى: (بمَا يَعْمَلُونَ بَصِير) أي أنه مراقب نفوسهم وعليم بما تخفي صدورهم، وما يجيش بنفوسهم، وفى هذا بيان علم الله الكامل، وتهديد لهم إن عادوا، كما فيه تبشير لهم إن استقاموا على الطريقة، وفي آية يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣).
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
في الآية السابقة فتح الله تعالى باب التوبة للكافرين ليخلصهم الله تعالى من الشرك الذي أركسوا فيه، وأشار سبحانه إلى أنه أمر عارض على نفوسهم، يستطيعون أن يرحضوه عنها، كما يرحض الوسخ على الثوب الأملس، وبين أن القتال لإزالة الفتنة في الدين، حتى يكون الدين لله.
وبعد هذا ذكر ولاء الله تعالى للمؤمنين، وأنه وليهم وناصرهم إن أعرض المشركون، فقال تعالى: (وَإِن تَوَلَّوْا) أي أعرضوا ونأوا بجانبهم بعد أن فتح لهم باب الغفران، أو أن يقول: إن استمروا على إعراضهم وتنائيهم عن الحق فإنه هو مولاكم، فلا تخافوهم، وإن الله غالبكم عليهم لأنه مولاكم وناصركم، فقال