ثم ولوا مدبرين (ثمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَّمْ تَروْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).
قد كسرت الأصنام، ولكن كان المشركون يدخلون المسجد، فأمر الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨).
وقد أمر سبحانه من بعد ذلك بقتال الكافرين سواء أكانوا يهودا أم نصارى أم - مشركين حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وبيَّن أن اليهود قالوا عزير ابن الله فكانوا كالمشركين، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله فكانوا مثل المشركين في أن أشركوا في عبادة الله المخلوقات.
وزادوا بأن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم وسائط في العلمِ عن الله فاتخذوهم أربابا، (... وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدَا لَا إِلَهَ إِلَّا هُو سُبْحَانهُ عَمَّا يُشْرِكونَ) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). وبين سبحانه مساوى الأحبار والرهبان في أكلهم أموال الناس بالباطل.
ثم ذكر سبحانه مآل هؤلاء يوم القيامة: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥).
بعد ذلك ذكر سبحانه عدة الشهور وهي اثنا عشر منها أربعة حرم، لَا يحل فيها القتال لأنها أشهر الحج أو الانتقال إلى بيت الله الحرام، وكذلك العُمرة، وهي ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب (مُضَر) الذي بين جمادى وشعبان فهو شهر عمرة مُضَر. فأُلحق بأشهر الحج.
وحرم الله تعالى النسيء (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ...) وإن ابتداء الحرب في الأشهر الحرم لَا يجوز، ولكن إذا كان القتال (... فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦).