وقد ذكر الله تعالى أنه ما كان لنبي أن يستغفر للمشركين، ولو كانوا أُولي قربى، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، وإن الذين اهتدوا ما كان الله ليضلهم بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم.
وقد بيَّن سبحانه سلطانه في ملك السماوات والأرض، ثم بين سبحانه توبته على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والمهاجرين الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم.
وكان من المؤمنين الصادقين من تخلفوا في غزوة تبوك من غير عذر من الأعذار التي ذكرها القرآن فرباهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو خير المربين - بالإعراض عنهم حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لَا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم.
وقد أمر الله المؤمنين الصادقين بأن يلتزِموا. وقد وضع سبحانه وتعالى مبدأ ثانيا مقررا فقال: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١).
وإن الله خفف على المؤمنين بألا ينفروا جميعا، بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.
ثم أمر بجهاد الذين يلونهم من الكفار؛ لأنهم يحادونهم فقال: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).