إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
* * *
(براءة)، مِن برئ منه إذا خلص في تبعته وعهدته، وبرئ براءة من عهده إذا تخلص من تبعاته و (بَرَاءَةٌ منَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكينَ)، أي لَا تبعة بالنسبة للذين عاهدتم، فعهودكم رد لَا يؤخذ بها.
وقالوا: نسبت العهود للذين آمنوا على أنهم هم الذين عاهدوا لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذي عاهد باسمهم، كما يتعهد رئيس الدولة باسم رعاياها والمنتمين إليها، إذ هم بمقتضى عهدة الحكم هم الذين فوضوا إليه، وأسند العهد إليهم، والبراءة من العهد إلى الله تعالى، لأن هذه البراءة حكم شرعي بنقض العهد مع المشركين الذين نقضوا عهودهم، واستمروا على شركهم، - وكانوا إلبًا على المسلمين، حتى غلبوا على أمرهم، وكان ذلك في حرب المؤمنين مع أهل الطائف، وكان قد قرب زمان الأشهر الحرم، فأنهاها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ومع أن العهود المطلقة غير المحدودة بمدة قد انتهت، وبرئ الله ورسوله منها، فإن لهم أربعة أشهر، الحرب فيها حرام لَا تُبتدأ فيها، وأن الأربعة الأشهر هي الحرم، بدليل أن الله جعل نهايتها انسلاخ الأشهر، فقال: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ...).
وقوله تعالى:
(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ... (٢)
والفاء هنا لتفصيل ما يكون بعد البراءة من العهد، فذكر سبحانه أنهم في أمان من القتال لمدة أربعة أشهر هي الأشهر الحرم، وكلمة (فَسِيحُوا فِي الأَرضِ) أي سيروا فيها آمنين من القتل والقتال، ولمدة أربعة أشهر، ولكن اعلموا أنكم لَا تعجزون الله تعالى، فلا تحسبوا أنكم أمنتم إلى النهاية ولذا قال تعالى: (... وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)