عندئذ قال من حضر من المشركين: يا عليّ، أبلغ ابن عمك أنَّا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف.
وإن هذا يدل على أنهم ابتدأوا بنبذ العهد، وأن الله ورسوله عندما برأنا من العهد كانوا هم المبتدئين بالنبذ، فكانت البراءة من عهودهم مجاوبة لهم في نبذها، وأباح الله تعالى أن سيحوا في الأرض أربعة أشهر.
(وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)
قوله تعالى: (وَأَذَان مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الواو عاطفة (أذان) على (براءة)، وبراءة هي براءة الله من الذين عاهدهم النبي - ﷺ - والمؤمنون من المشركين لنكثهم عهدهم، كما أعلنوا ذلك لعليّ رسول رسول الله - ﷺ -، ولأنهم لَا أيمان لهم، ولا عهد لهم.
أما الأذان فهو الإعلام، وهو بمعنى الإيذان، كالعطاء بمعنى الإعطاء وهو إعلام الناس جميعا مع من كان معاهدا ونكث، ومن لم يكن عاهد من المسلمين، وهو إعلام بالبراءة من المشركين، ولذا كان موضوع الإعلام أن الله بريء من المشركين وَرَسُولُهُ، فلا عهود لهم إن نكثوها ولا عهود لمن لَا عهد له من قبل، إلا إن استقاموا عليه ولم يظاهروا على المؤمنين.
(أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ منَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ) بالفتح على تقدير الباء، والمعنى إيذان بأن الله بريء من المشركين، وحذف الباء قبل أن. وهذا كثيرا في كلام العرب، وقرى بكسر (إن) (١) لأن الإيذان يتضمن معنى القول و (إن) تكسر بعد القول.
(وَرَسُولُهُ) بالرفع معطوفة على اسم، وهو لفظ الجلالة، وإن ذلك جائز إذ يعطف على اسم بالرفع إذا كان الخبر قد تم، ويقول الزمخشري: إنه يعطف على الضمير المقدر في (بريء)، وهو اختلاف لفظي لَا جدوى فيه من حيث المعنى.
________
(١) ليست في العشر المتواترة.