الثانية: في التعبير بالموصول في قوله تعالى: (الَّذِينَ كفَروا) فإنه يشير إلى أن العلة في عذابهم الأليم هي كفرهم، فإن تابوا فنعيم مقيم.
وإن الله العادل الحكيم قد استثنى من المشركين من لهم عهوِد راعوها حق رعايتها فقال:
(إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عًاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكينَ)، قال الزمخشري: الاستثناء من (فَسيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهر). وأرى أن الاستثناء منِ الذين تبرأ الله تعالى من عهدهم ونبذه إليهم في قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ منَ اللَّهِ وَرسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتم مِنَ الْمًشْرِكينَ)، فكان الاستثناء من هؤلاء أي أن الله بريء من عهد هؤلاء؛ لأنهم خاضوا في عهدهم ونقضوه، وقد رأيت أنهم بادروا بالنقض عندما أخبرهم عليّ كرم الله وجهه أنه لَا يدخل البيت الحرام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان... فبادروا بنقض عهودهم، وقالوا ليس بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن بالرماح، والضرب بالسيوف.
أما الذين وفوا بعهودهم ولم ينقضوا شيئا منها، ولم يظاهروا عليكم أحدا فعهدهم باق مستمر، وليس الكفر وحده؛ فقد كان التعاقد وهم كفار وهذا قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا) والتعبير بـ (ثُمَّ) للدلالة على دوام وفائهم، وأنهم مع كونهم عرضة للنكث والنقض كإخوانهم المشركين ضبطوا أنفسهم ولم ينكثوا في عهدهم، ولم ينقصوا المسلمين - مع بغضهم لأهل الإيمان - شيئا من شروط العهد، بل وفوا به حق الوفاء، والوفاء جدير بالوفاء من أهل الإيمان كما قال تعالى: (... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)، وكما وصفهم الله تعالى بأنهم لم ينقصوكم شينا مما عاهدوا عليه - ذكر وصفا دالا على الوفاء والمبالغة فيه، فقال تعالى: (وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا) أي لم يعاونوا أحدا من أعدائكم بأن يكونوا في ظهره يدفعونه إلى اللجاجة في عهدكم كما فعل بنو النضير وقريظة، وغيرهم من أعداء