نقضوا العهد فأعانوا بني بكر، وكانوا في حلفهم على خزاعة، وكانوا في حلف النبي - ﷺ -، واستغاثوا بالنبي - ﷺ - فأغاثهم وفتح، ولكن يلاحظ أن وقائع العهود كانت بعد فتح مكة، ولذا يجب أن يكون هؤلاء غير أهل الحديبية، ويجب أن تكون عهودهم بعد الفتح، وقد ذكر الزمخشري أن منهم بني كنانة وبني ضمرة.
الاستثناء هنا في معنى المنقطع، لأنهم مغايرون للأولين الذين كان منهم النكث، ولذلك ذكر الزمخشري أن الاستثناء هنا بمعنى (لكن)، فهو استدراك وليس استثناء متصلا، وقد بين الله تعالى طريق معاملتهم فقال سبحانه وتعالى: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) و " ما " هنا شرطية دالة على دوام الاستقامة في الوفاء بالعهد إذا أقاموه على وجهه من غير خيسٍ (١) فيه، ولا نقض لأي جزء من أجزائه، (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أي فاقيموا العهد، والعهود كما قلنا حقوق وواجبات متبادلة.
وإن الوفاء بالعهد من التقوى، إذ هو يُرضي الله، ويقوي الأمة، وهو من أفضل الأخلاق، ولذا ختم الله تعالى الآية بقوله خالى: (إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْمتَّقِينَ).
وهنا إشارة بيانية، وهي قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ) فلماذا تكررت العندية مع أن ما يكون عهدا عند الله يكون عهدا عند النبي - ﷺ -. ونقول: إن تكرار العندية للإشارة إلى مقدار نكثهم للعهد، فهم نكثوا عهد الرسول، وتلك جريمة، ونكثوا عهد الله وهو العليم بذات الصدور، العليم بكل شيء.
________
(١) الخَيس: نقض العهد، وعَنْ أبي رَافِعٍ، قَالَ: بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ (جمع بريد، وهم الرسل)، وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ». قَالَ: فَذَهَبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ قَالَ: بُكَيْرٌ وَأَخْبَرَنِي: «أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا ". رواه أبو داود: (٢٧٥٨)، َ وأحمد: باقي مسند الأنصار - حديث أبي رافع رضي الله عنه (٥ ٢٣٣٤).