ثالثها: أن قوله تعالى: (سَاءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ) فيه معنى التعجب، أي ما أسوأ ما كانوا يعملون، وأن الفعل المضارع يدل على تجدد حالهم الفاسدة، و (كَانُوا) دالة على دوام هذه الحال فيهم.
ثمِ بين سبحانه حالا عامة مستمرة فيهم فقال تعالى:
(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)
وهنا نجد النص السامي التفت من الخطاب إلى الغيبة؛ إذ كان في الآيات (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً)، وهذا النص السامي (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً) وذلك الوصف يؤذن بالعلة، أي أن السبب في أنهم لَا يرعون رحما، ولا عهدا، هو الإيمان، فالإيمان الحق والإذعان لله تعالى وتوحيده هو السبب في أنهم لَا يراعون فيكم رحما واصلة، ولا مودة راحمة، ولا عهدا يعاهدونكم فيه، إنه إيمانكم هو الذي صرفهم إلى النكث في العهود.
وإنه إذا كان الحق هو الذي جعلهم ينكثون في عهودهم (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ).
الإشارة في (أولئك) إلى أوصافهم في أنهم لَا يراعون قرابة ولا عهدا، يقطعون القرابة وينقضون الميثاق، والإشارة إلى هذه الأوصاف تومئ إلى أنها علة الحكم، وهو الحكم عليهم بالاعتداء، فقد اعتدوا على الحق في ذاته، واعتدوا على القرابة التي لم يراعوها حق رعايتها، ونكثوا في أيمانهم، وذلك أعظم اعتداء.
وقوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) فيه تأكيد الاعتداء من وجوه:
أولها - في التعبير بالإشارة المتضمن لصفاتهم التي هي سبب الحكم.
ثانيها - ضمير الفصل الذي يؤكد الحكم.
ثالثها - القصر بالحكم بأنهم المعتدون وحدهم؛ لأن تعريف الطرفين يدل على الاختصاص، أي أنهم اختصوا بالاعتداء، وليس بمعتد عليهم من لَا يأخذ بعهدهم.