ومع هذا الاعتداء فإن باب التوبة مفتوح لم يغلق، ولذا قال تعالى:
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)
(الفاء) هنا لترتيب نسق القرآن. وقوله تعالى: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) وقد قرن إقامة الصلاة وأداء الزكاة؛ لأنها أمارات الإيمان العملية، ولكي يخرج الكافر مما كان عليه لَا بد من مظهر عملي دال على الخروج مما كان عليه، فإنه كان يسجد للأوثان، ويتصدق على سدنتها، فكان حقا أن يكون منه نقيض ذلك بأن يسجد لله، قام الصلاة، وأن يتصدق على الفقراء، ولذلك اشترط أبو حنيفة للإيمان ألا يكون منه ما يدل على بقائه على دينه الجديد.
فكانت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة دليلا على انخلاعه من دينه القديم، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تثبت الإيمان، وبيان الإذعان الكامل لما أمر الله تعالى به، ونهى عنه.
وعندما كانت الردة عقب انتقال النبي - ﷺ - إلى الرفيق الأعلى كان أبو بكر لا يقبل من المرتدين مجرد التوبة والإنابة إلى الله تعالى، لَا يقبل التوبة إلا إذا كان معها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وكان منهم من أقام الصلاة، ولم يعط الزكاة، فلم يقبل منهم أبو بكر واعتبرهم لَا يزالون على ردتهم، وذلك أولا: لأنه قرن كل توبة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وثانيا لأن إعطاء الزكاة أمارة الخضوع للدولة الإسلامية، وعدم التمرد عليها، ولذا قال رضي الله عنه ردا على من لم يعط الزكاة " سلم مخزية أو حرب مجلية ". وذلك حق لكي تقوم الدولة الإسلامية موطدة الأركان ثابتة الدعائم غير مضطربة ولا مزلزلة، وجواب الشرط (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) هو قوله تعالى: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي فقد دخلوا في الإسلام، وصاروا إخوانكم، وعبَر بقوله تعالى: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) للإشارة إلى أنهم دخلوا في الأخوة الإسلامية، وهي عهد الله الجامع الذي لَا تفرق فيه، ولا تتجافى القلوب بل تتواد وتتراحم بعرى الإيمان الوثيقة.


الصفحة التالية
Icon