وبين سبحانه وتعالى السبب في قتالهم فقال: (إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ)، أي إنهم لَا عهود لهم، ولو وثقوا بالأيمان فلا أيمان لهم، وقرئ بكسر الهمزة (لا إيمان لهم) (١)، أي أن نفوسهم منحلة لَا يجزمون بشيء ولا يذعنون لشيء، لا بعهد قطعوه على أنفسهم، ولا غيره، بل هم جائرون بائرون ليس عندهم شرف الوفاء العربي، والاحتفاظ بالكلمة.
ثم قال تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) أي رجاء أن ينتهوا عن غيهم، ويقمعهم إرهاب السيف، ومن لم تقنعه الحجة والبرهان والآيات تتلوها الآيات، فالحديد فيه باس شديد ومنافع للناس.
هذا وقد استنبط الفقهاء من هذه الآية بأن الذمي أو الحربي إذا طعن في الإسلام يقتل، فليعتبِر الذين حماهم الإسلام من ذل الرومان، وقد دأبوا على الطعن في النبي - ﷺ -، والقرآن والإسلام حتى صار الإسلام غريبا في بلاده، اللهم هب للمسلمين حاكما ينفذ القرآن، وقد كان الصحابة يقتلون من يسب النبي - ﷺ - ولو بالتعريض.
يروى في ذلك أن رجلا في مجلس على كرم الله وجهه قال: ما قتل كعب ابن الأشرف إلا غدرا، وكان النبي - ﷺ - أوصى بقتله فأمر عليا بضرب عنق قائل ذلك القول.
وقاله آخر في مجلس معاوية فما فعل شيئا، فقام محمد بن مسلمة فقال:
أيقال هذا في مجلسك وتسكت!!، والله لَا أساكنك تحت سقف أبدا.
ولا عجب، فعلي فارس الإسلام، وقامع الكفر، ومعاوية الطليق ابن الطليق، وقد ابتدأت غربة الإسلام في عهده، اللهم أعز الإسلام وآوه بعد غربته.
* * *
________
(١) قراءة (لا إيمان) بكر الهمزة، أول موضع للقراءات المتواترة في سورة التوبة، وبها قرأ ابن عامر، وقرأ الباقون: (لا أيمان) بفتح الهمزة. غاية الاختصار في قراه ات العشرة أئمة الأنصار - الهمذانى العطار - تحقيق الدكتور أشرف محمد فؤاد طلعت - مكتبة التوعية الاسلامية [ج ٢، ص ٥٠٧، برقم (٩٧٤)].


الصفحة التالية
Icon