من قتالهم أنكم تخشونهم، أي تخافونهم فزعين من قتالهم. (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) والله أحق أن تخافوه وتفزعوا من غضبه، (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) أي إن كان الإيمان شانا من شئونكم، وصفة من صفاتكم، فإن المؤمن لا يخشى إلا الله، ولا يقدر في أموره كلها إلا رضا الله والخوف من غضبه وعذابه.
وقد صرح سبحانه وتعالى من بعد ذلك التحريض الذي يثير الهمم، ويثبت أن قتالهم حق على كل مؤمن - بالأمر بالقتال وذلك بعد أن بين أنه حق كامل.
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)
بعد أن بين الله تعالى بواعث القتال من نكث العهد، وإخراج النبي والمؤمنين، وبدئهم بالفتنة، والفتنة أشد من القتل، وبدئهم بالقتال، إذ هاجموا في بدر من غير ضرورة تلجئهم، ولا حاجة تدفعهم إلا أن تكون كراهة لدينكم، وبدئهم بمعاونة بني بكر على خزاعة.
بعد هذا بين ثمرات القتال: فقال تعالت كلماته:
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُم اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ) وذلك بالإثخان فيهم، وصرح بقوله بايديكم، أي أنها عذاب لهم تتولونه أنتم، فقوله (بأيديكم) يراد بأنفسكم، وهذا مجاز مرسل علاقته الجزئية، وعبر بالأيدي لأنها هي التي بها البطش، وهي التي تحمل السيوف والرماح والنبال.
وكان العذاب في الدنيا بايدى أهل الحق لردع أهل الباطل، وكسر شوكته، ولكيلا يستشري الشر، وتستعلى الرذائل وتنخفض الفضائل (... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا...)، لهذا كان لَا بد من عذاب الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
(وَيُخْزِهِمْ) بالأسر، والتتبع في الأرض، وذهاب سطوتهم وقوتهم، وانخلاع العرب من ربقتهم، وذهاب سلطانهم المادي والأدبي.