وقوى الله سبحانه وتعالى نفي أن يعمروا المساجد بقوله تعالت كلماته (شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ) أي حال كونهم شاهدين على أنفسهم بالكفر أي بعبادة الأصنام وهو كفر لَا ريب، فإن هذه الحال مناقضة تمام المناقضة للعمارة الحقة للمساجد بأن يعبدوا الله حق عبادته، ولا يشركوا به شيئا، وقد بين الزمخشري هذه الناقضة فضل بيان فقال: غفر الله تعالى له: " ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متناقضين عمارة متعبدات الله تعالى مع الكفر بالله تعالى وبعبادته، ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت، وكانوا يطوفون عراة ويقولون: لَا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي، وكلما طافوا بها شوطا سجدوا للأصنام ".
وإنه لما التقى الأسرى من قريش بالمهاجرين أخذ هؤلاء يعيرونهم بأنهم قطعوا الرحم، فقال علي كرم الله وجهه لعمه العباس يعاتبه لقتال ابن أخيه محمد - ﷺ -، وقطيعة الرحم، وأغلظ في القول فقال العباس: " تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، فقال علي: ألكم محاسن؟ قال نعم: إنا لنعمر المسجد، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجاج ونفك المعاني.
وقيل إن هذا سبب نزول هذه الآية، وفي الحق إنه كان في الجاهلية بعض أعمال ولكن يذهب بها كلها الشرك، فمن يعمل ابتغاء مرضاة الله الواحد غير مفاخر، ولا معتز بعصبية يكون عمله لله ولا يكون مشركا أحدا بالله في عبادة قط، ومن يعمل مفاخرا معتزا بعصبيته، غير معتز بالله، فعمله في هباء، ولذلك قال تعالى: (أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، الإشارة إليهم متصفين بالكفر البادي من كل أعمالهم من عبادة الأصنام، والطواف عراة، وما يكون من أعمالهم فيه بعض النفع خلطوا به نية المفاخرة، والعصبية الجاهلية، والإشارة إلى الصفات تفيد سبب الحكم، وهو حبوط أعمالهم ودخولهم النار، وحبوط الأعمال بطلانها وعدم إنتاج ثمرتها، والحبوط يفيد البطلان الذي يكون ناشئا من ذات العمل، فبطلان أعمالهم ناشئ من ذاتها؛ لأنها لَا تصحبها النية الطيبة المؤمنة بالله تعالى (وَفِي النَّارِ هُمْ


الصفحة التالية
Icon