(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)
البشرى: الخبر السار، ولا تطلق على غيره إلا تهكما، كقوله تعالى:
(... وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَروا بِعَذَاب أَلِيم). وقوله تعالى:
(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَة مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ) بيان للفوز الذي حكم به سبحانه وهو أعدل الحاكمين، والبشرى تتضمن الرحمة، والرضوان من الله تعالى، وقد نكرا وهما مضافان إلى رب هذا الوجود للدلالة على الفخامة والعظمة، فهي لَا يدرك كنهها ولا تحد حدودها، وهي من الله تعالى واسع الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، والرضوان من الله وهو أعظم من كل ثواب مادي، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (... وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكبَرُ...) أي أنه أكبر من كل نعيم؛ لأنه الرضا من الله تعالى، وهو نعمة لَا يشعر بها إلا من يحس بعظمة الله وجلاله، ويفنى في ذاته العلية، حتى إن الصوفية ليقسمون العبادة إلى ثلاث مراتب، المرتبة الدنيا: مرتبة من يعبد الله اتقاء عذابه، والثانية: من يعبد الله رجاء ثوابه، والعليا: من يعبد الله رجاء رضاه.
(وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ)، وهي غير الرحمة؛ لأن الرحمة ضد الشقاء، وهي وحدها نعمة؛ لأن الخروج من الضلال إلى الهدى والشعور بالحق وأنه اهتدى إليه وخرج من الضلال إلى نور الهداية هو وحده رحمة ونعمة، فأول جزاء للمؤمن من يأخذه من الإيمان نفسه، فيشعر باستقرار لَا اضطراب فيه.
وبعد هذا الشعور والإحساس برضا الله تعالى تكون الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، ويكون للذين يدخلونها من أهل الحق والإيمان نعيم مقيم، أي ثابت دائم.
وقد أكد سبحانه ثوابه بقوله تعالى:
(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)
الخلود نعمة فوق نعمة الجنة ذاتها، فإن الإحساس بدوام النعمة نعمة، وليس في مقابل الدنيا الفانية، وأكد الله سبحانه وتعالى خلود الجنة ودوام نعيمهما