وفى الآية الكريمة إشارات بيانية بليغة:
الأولى: قد اقتصر الله تعالى في الآية على الآباء والإخوان، ولم يذكر الأبناء، لأن الآباء والإخوة تكون منهم النصرة، والاعتزاز، أما الأبناء فإنهم تبع لآبائهم؛ ولأنه لَا تأثير للأبناء على آبائهم، ولأنه يندر من كان يسلم، وأبناؤه مستمرون على الكفر؛ لأن تأثير الآباء على الأبناء يمنع من أن يتغذوا بلبان الشرك، ومن النادر إيمان أبي بكر، وبعض ولده مشرك حتى اشترك في غزوة بدر مع المشركين.
الثانية - في قوله تعالى:
(إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) هذا شرط لمنع الولاية عنهم والانتصار بهم، ونصرتهم و (اسْتَحَبُّوا) معناها أحبوا بشدة وتعصب؛ لأن السين والتاء للطلب، أي طلبوا محبة الكفر حتى أحبوه، فكانوا مبالغين في الكفر متعنتين في عداوة المؤمنين، فمن والاهم فقد والى أعداءه الكافرين.
الثالثة - أن الله تعالى حكمِ بالظلم على من يتولاهم في قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَهُم مِّنكمْ فَأوْلَئِكَ هُم الظَّالِمُون) (مَنْ) شرطية، وهي اسم، والتولي جعلهم أولياء له ونصراء، وقال تعالى: (مِنكمْ) للإشارة إلى أنه ترك ولاية الحق إلى الباطل، لأن منكم تدل على أن الأصل هو ولايتهم لكم، وقوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ)، الإشارة إلى انفصالهم عنكم، وحكم عليهم سبحانه بالظلم وقصره عليهم؛ وذلك لأنهم ظلموا أنفسهم بترك أوليائهم الحقيقيين كما قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّه وَرَسُولهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...)، فإركوا ولاية الله وإخوانهم المؤمنين، فكانوا ظالمين إذ استنصروا بمن لَا ينصرونهم، وليس في قدرتهم أن ينصروهم من دون الله، ولأن موالاة الشرك شرك (... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). إن الجهاد تجرد لله تعالى، وصدق رسول الله - ﷺ - إذ جعل المجاهد كالراهب متجردا من أهله وماله، وسكنه وتجارته، فقال عليه الصلاة والسلام: " لكل أمة