ثم قال تعالى: (وَعَذبَ الَّذِينَ كفَروا) عذب الله الذين كفروا في هذه المعركة بأن هزمهم هزيمة، وقد لاح برق الانتصار في أولها، ولكن كان الزعم القاصم الذي صك الآذان صكا عنيفا، وأشد ما يكون على النفس وقعا، أمل النصر، ثم وقع الهزيمة من بعد، وفوق ذلك فقد كان النصر بقتل ذريع داهم مستمر.
ولقد ساقوا أموالهم كلها ليثور حماسهم برؤيتها، فغنمها المسلمون جميعها، فكأنهم ساقوها ليأخذها المسلمون غنيمة باردة، وساقوا نساءهم وأولادهم ليزدادوا حماسة برؤيتهم، فسباهم المسلمون وأذلوهم بسبيهم فكأنهم كانوا يعدون المائدة للمؤمنين.
هذا هو العذاب الدنيوي، هزيمة وقتل، وإذلال بالسبي، وأخذ الأموال غنائم غير مردودة، وإذا كان السبي قد رفق بهم النبي - ﷺ - في أمره، فالمال قد وزع بين المجاهدين، وأخذ منه المؤلفة قلوبهم ما أخذوا.
وختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: (وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (ذلك) الإشارة إلى ما ارتكبوا من تدبير، وأن ذلك رد كيدهم في نحورهم فقد دبروا وبيتوا، ووضعوا الكمائن، وساقوا أموالهم ونساءهم وذرياتهم فجازاهم الله تعالى ذلك بأن هزمهم، وغنمت أموالهم، وسبيت نساؤهم، وذلك بسبب كفرهم.
ولقد فتح الله سبحانه وتعالى باب التوبة لمن يشاء من عباده عساهم بعد أن رأوا أن أوثانهم لَا تضر ولا تنفع، وبعد أن عركتهم الحرب وهزموا فيها، وغنمت أموالهم وصاروا في رحمة محمد - ﷺ - وهي من رحمة الله تعالى فعساهم يهتدون، ولذا قال تعالى:
(ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)
(ثُمَّ) هنا للبعد بين كفر عنيف، وتوبة ضارعة راجية، (يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) أي يرجع على عباده بالتوبة، والإقلاع عن الشرك والرجوع