إلى الله سبحانه وتعالى (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد بيان أنهم لم يغنهم غرورهم وانهزامهم هزيمة منكرة وسبي نسائهم وأموالهم، وكرم النبي - ﷺ - فإنه يروى أنهم جاءوا أو جاء كبراؤهم بعد ذلك مستسلمين يريدون سباياهم وأموالهم، وكان النبي - ﷺ - قد فرق بعض السبايا أو كلها في المقاتلين من المسلمين.
جاء ناس منهم إلى النبي - ﷺ - فبايعوه على الإسلام، وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد سبي أهلونا وأولادنا، وأخذت أموالنا، وكان السبي يومئذ يعدون بالألوف فقام النبي الكريم الرءوف برحمة من رب العالمين، فقال: " إن عندي ما ترون، إن خير القول أصدقه: اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم ". قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا.
فقام الرسول بين أصحابه وقال لهم: " إن هؤلاء جاءوا مسلمين، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان عنده شيء وطابت نفسه أن يرده فشأنه، ومن لَا فليعطنا وليكن فرضا علينا، حتى نصيب شيئا، فنعطيه مكانه "، قالوا: رضينا وسلمنا.
فقال عليه الصلاة والسلام: " إني لَا أدري لعل فيكم من لَا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا "، فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا (١).
وهذا الخبر وقبله الآية الكريمة يدل على أمور:
أولها - أن المغرور إذا هزم، وتبين أن غروره لم يجده شيئا، وأنه ضعيف أمام الحق ارعوى، وتغير تفكيره إذ تغيرت حاله من غرور نفسي إلى اقتناع بأن أوهامه باطلة، فيتجه إلى الحق، لقد كان أهل الطائف من ثقيف وهوازن أشد الناس اغترارًا بقوتهم، ومالهم، وكانت فيهم غلظة وجفوة دون غيرهم من العرب فلما عضتهم الحرب فكروا في أمرهم مسترشدين.
________
(١) صحيح مسلم: الجهاد والسير - غزوة حنين (١٧٧٥)، عن العباس - رفس الله عنه - عم النبي صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon