المسلمين في عصر الصحابة كانوا يوفون بعهودهم مع المؤمنين، روي أن أبا عبيدة عامر بن الجراح، كان أخذ مالا من أهل حمص على أن يدفع عنهم جيش الرومان إن أغاروا عليهم، فلما أصيب جيشه بالطاعون ضعف عن رد غاراتهم، ورد إليهم أموالهم.
والإسلام قام بحق التساوي بين جميع من يكونون في طاعته، فإن الجزية التي تكون على الذمي تقابل ما يكون على المسلم من تكليفات مالية، فعليه زكاة المال، وعليه صدقات ونذور، وعليه كفارات، وغير ذلك، ولو أحصى كل ما يؤخذ من المسلم لتبين أنه لَا يقل عما يؤخذ من جزية إن لم يزد.
وإن الدولة كما ذكرنا تنفق على فقراء أهل الذمة، ولقد روى أن عمر - رضي الله تعالى - عنه وجد شيخا يهوديا يتكفف، فسأله: من أنت يا شيخ؟ قال رجل من أهل الذمة، فقال له: ما أنصفناك أكلنا شبيبتك وضيعناك في شيخوختك، وأجرى عليه رزقا مستمرا من بيت المال، وقال لخادمه: ابحث عن هذا وضربائه، وأجْرِ عليهم رزقا من بيت المال.
والجزية بإجماع الفقهاء تفرض على اليهود والنصارى لنص هذه الآية، وتفرض على المجوس لقول النبي - ﷺ -: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (١) ولا تفرض بالإجماع على مشركي العرب، لأنهم يخيرون بين القتل والإسلام، حتى لا يكون في بلاد العرب دينان.
وقال أبو حنيفة: تفرض على كل مخالف عَقَد عقد الذمة، سواء أكان وثنيا أم كان مجوسيا أم كان كتابيا، لَا فرق، لأن الكفر كله ملة واحدة، وأكثر المالكية على هذا الرأي، وقال الشافعي: لَا تفرض الجزية إلا على اليهود والنصارى والمجوس لورود النصوص.
________
(١) مالك في الموطأ: الزكاة - جزية أهل الكتاب والمجوس (٦١٧). عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. ورواه البخاري: الجزية - الجزية والموادعة مع أهل الحرب (٣١٥٧).


الصفحة التالية
Icon