الأركان بل ثابتة القرب واضحة، ويدخل معهم أيضا عبدة الأوثان من غير العرب أيضا، وهم البرهمية والبوذية، فهم قالوا إن للإله ابنا، فالبراهمة قالوا إن كرشنة ابن لبراهما، وقال البوذيون: إن بوذا ابن للإله، كما قال النصارى، ويظهر أن موجة من ادعاء البنوة كانت سائدة في القرن الخامس قبل ميلاد المسيح أخذت منها وثنية النصارى في القرن الرابع مع الأفلاطونية الحديثة عقيدتها الباطلة، ولعل الأفلاطونية الحديثة ذاتها قد أخذت من الهنود، فقد ثبت أن كبيرها ذهب إلى الهند، وعاد بعقيدته (١).
(قَاتَلَهُمُ اللَّهُ)، قيل إنها كلمة تعجب كانت تجري على ألسنة العرب، وقيل إنها للعن مع التعجب، وقد خطر لي أن تكون من القتال، أي أنهم بهذا الإفك الذي لَا يعلمون، قد أعلنوا حربا على الله يقاتلهم وسيكون له النصر عليهم، ثم قال تعالت كلماته: (أَنَّى يؤْفَكُونَ) أي كيف يصدفون عن الحق إلى الضلال الذي لا يفهمونه ولم يفهموه ولم يعقلوه.
وإن دخول هذه العقيدة التي لم يفهموها، وهي في ذاتها غير قابلة للفهم أنهم يأخذون دينهم من رجال ويتلقونه من غير إدراك، ولا تفهم، فأضلَّهم أولا بولس، وأضلهم ثانيا الأساقفة الـ ٣١٨ في مجمع نيقية وأضلهم من جاءوا بعد ذلك، ولذا قال تعالى:
________
(١) راجع " محاضرات في النصرانية "، ورسالة " مقارنة الأديان، للشيخ محمد أبي زهرة - دار الفكر العربي.
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)
الأحبار جمع حِبر بالكسر، ويقال بالفتح، وهو العالم الذي يحسن القول، ويخبره، ويتقنه، وله فصاحة وبيان حسن، والرهبان جمع راهب، وهو الذي ينصرف إلى العبادة في زعمهم، وهو من الرهبة بمعنى الخوف من المعبود، والله تعالى ذكر الرهبنة - لما فيها من الخوف، والرهبة من المعبود - بغير الذم، وإن كانت


الصفحة التالية
Icon