هذا معنى الآية الكريمة فيما يظهر لنا، ويجب أن ثنبه إلى أنه لَا يصح النهم في المال إلا للقيام بمصلحة عامة، ولا يصح أن يكون المال مطلبا ذاتيا، وغرضا مقصودا لذاته لَا للتمكن من النعم، فإنه حينئذ يلهى عن المقاصد السامية، كما قال تعالى: (أَلْهَاكمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)، (١)، ولأنه يصير عبدا للمال، لَا سيدا متصرفا، والنبي - ﷺ - يقول: " تعس عبد الدرهم " - وقد روى أن رسول الله - ﷺ - قال: " تبا للذهب تبا للفضة، قالها ثلاثا فقالوا له: أي مال نتخذ: قال: " لسانا ذاكرا وقلبا خاشعًا، وزوجة تعين أحدكم على دينه) (٢) وقال - ﷺ -: " من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها " (٣).
ذكر الله عذاب يوم القيامة لمن كنز الذهب والفضة من غير إنفاق:
________
(١) جزء من حديث رواه البخاري: الجهاد والسير - الحراسة والغزو في سبيل الله عن أبي هريرة رضي الله عنه (٢٨٨٧).
(٢) رواه أحمد في مسنده: باقي مسند الأنصار - حديث رجال من أصحاب النبي - ﷺ - (٢٢٥٩١).
(٣) رواه أحمد: مسند الأنصار - حديث أبي ذر رضي الله عنهم (٢٠٩٦٩). قلت: وقد نوَّه الثيخ أبو زهرة رحمه الله تعالى إلى مراجعة الكشاف عند هذا الموضع.
(يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
(يَوْمَ) تتعلق بقوله: (بِعَذَاب أَلِيم)، أي ذلك الإيلام الشديد، يوم يحمى عليها أي يوقد عليها، والضمير يعود إلى الذهب والفضة كما يعود ضمير ينفقونها إليها على التخريج الذي ذكرنا آنفا، ولهذا النص تصوير لحال الأشحة الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبل الخير، ولا يؤدون ما تعلق بها من نفقات على العيال، والفقراء، فلا يعطون المال على حبه مسكينا يتيما وأسيرا، ويعيشون لأنفسهم، لَا يتجاوزونها إلى غيرهم من الفقراء والمحاويج والمجاهدين والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله.
و (يُحْمَى عَلَيْهَا) أي يوقد عليها فتكون كمقامع تكوى بها وجوههم، وجنوبهم وظهورهم، وذكرت هذه الأعضاء لأنها تعم الجسم كله، وابتدأ بالوجوه