أولهما - أن يعلم ابتداء الشهر بالحس لَا بالتقدير والحساب المجرد؛ فإن الأشهر الشمسية لَا تعرف إلا بالحساب.
ثانيهما - ألا تتغير السنة بالزيادة والنقصان فتكون (كبيسة) فتزاد، أو (بسيطة) فلا تزاد، وإنها تتفق مع طبائع الناس.
وبذلك لَا تتغير أوقات العبادات، ولا تختلف، وجعلها الله تعالى اثني عشر شهرا، وقد ثبت كل شهر في موضعه ذاته لَا يفترق عنه، وقلنا: إن طبائع الناس تسير مع الأشهر العربية فثبت أن الحيض والحمل يتبعان الأشهر القمرية. وقد قال تعالى:
(إِن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كتَابِ اللَّهِ) و (عِندَ اللَّهِ) معناها في حكمه وتقديره سبحانه وتعالى، وعلينا أن نهتدي بما هدانا إليه، وقوله تعالى: (فِي كِتَابِ اللَّهِ)، أي فيما كتبه علينا من أحكام متعلقة بهذه الأشهر، وقال بعض العلماء: المراد ما كتب في اللوح المحفوظ الذي فيه ما قدره الله تعالى بعباده، فهو لوحه المكنون.
ويقول سبحانه: (مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمٌ) الضمير يعود إلى (عِدَّةَ الشُّهُورِ)، وحُرُمٌ جمع حرام، وقد فسرت بأنها التي حرم فيها القتال، وكان ذلك قبل الإسلام على شريعة إبراهيم عليه السلام الذي تعود إليه مناسك الحج، وإذا كان المشركون قد حرفوا فيها وغيروا وبدلوا فإن الإسلام قد أعادها كما بدأت؛ لأنه ملة إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: (... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...).
وهذه الأشهر الحرم هي ثلاثة سرد، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، وقد قال النبي - ﷺ - في خطبة الوداع مبينا شريعته، ومنها الأشهر الحرام، وكانت الخطبة في العام العاشر " إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ


الصفحة التالية
Icon