و (الكلمة) في قوله تعالى: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفْلَى) يراد بها الدولة والقوة؛ لأن قوة الدولة تجعل كلمتها نافذة أو مردودة عليها، فإذا كانت قوية كانت لها الكلمة النافذة، وإذا كانت ضعيفة كانت كلمتها غير نافذة، وعبر الله تعالى عنها بـ السفلى للدلالة على أنها مغلوبة وفوقها غيرها، وقد جعلت واقعة بدر كلمة الإسلام هي العليا، ودولته هي العليا، وعبر سبحانه وتعالى عن الإسلام بكلمة الله؛ لأنه دين التوحيد ونبيه مبعوث من الله، وذلك بيان للحقيقة، وتشريف للدين الحنيف.
خلاصة القول أن الله تعالى يبين للذين يقعدون عن الجهاد ولا ينصرون النبي - ﷺ - ولا يجاهدون بأنهم إن لم ينصروه، فالله ناصره، وقد نصره في هجرته، ولم يمكن المشركين منه، ثم نصره في حربه مع المشركين، وأيده بجنود لم يروها حتى صارت كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وختم سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله تعالى: (وَاللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي قادر غالب يدبر الأمور بحكمته وعلمه، بعد أن لام الله الذين يقعدون عن الجهاد، بين الله تعالى مع نبيه أمر بالجهاد فقال تعالى:
(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)
أكثر الرواة على أن هذه الآية وما سبقها في غزوة تبوك التي خرج بها النبي - ﷺ - إلى الروم، وقد أراد أن يخرج من الغزوة بعدد كبير؛ لأنهم كانوا في مؤتة التي كان فيها حملة الراية زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة وقتلوا جميعا، وجاء خالد بن الوليد فأخذ يتراجع بجيش المسلمين، وكان عدد جيشه نحوا من ثلاثة آلاف، وأنى يكون ثلاثة آلاف بجوار مائتي ألف من الروم، ومن استخدموهم من العرب فكانت المهارة في التراجع غير منهزم.