(بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي بإعداد العدة والقوة، وإمداد الجيش بالمؤن والذخيرة، وحمل الفقراء الأقوياء إذا لم يجدوا ما يحملهم، وبأن يتقدموا بأنفسهم في غير اضطراب ولا وجل، ويُفزعون أعداء الله وأعداءهم بإقدامهم؛ ثم ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: (وَاللَّه عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وهذا إخبار عن علم الله تعالى بالمتقين الذين يتقون عذاب يوم القيامة، ويتقون أن تكتب عليهم الذلة، ويتقون أن يستخذوا، ويستكينوا لأعداء الحق وأعداء الله تعالى، ويتقون أن يكون للكفار عليهم سلطان، وأن تكون ولايتهم لغير المؤمنين. الله تعالى عليم بهؤلاء المتقين، وسيجزيهم بأحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا العزة والكرامة، والعلو في الأرض من غير فساد، وفي الآخرة بالنعيم المقيم.
ثم بين الله تعالى الذين يستأذنون في القعود، فقال تعالى كلامه:
(إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)
قصر الله سبحانه وتعالى من يستأذنون في القعود على الذين لَا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فلا يستأذنك في القعود مؤمن بالله واليوم الآخر، وأفاد القصر بـ (إنما) لأنها من أدواته.
ذلك لأن المنافق لَا يؤمن باللَّه تعالى، فلا يطيع أوامره ونواهيه، ولا يذعن لما جاء به محمد - ﷺ - عن ربه، وإن نطق لسانه بكلمات الإسلام والطاعة والخضوع ظاهرا لَا يطيع قلبه، وقد ذكر الله تعالى فيهم أقوالا ثلاثة كلها تقعد بهم عن الجهاد، بل واحدة منها:
أولها: أنهم لَا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فعدم إيمانهم بالله يجعلهم لا يذعنون، ولا يجيبون ما فرض عليهم من جهاد، ولا يؤمنون بما فيه من عزة وكرامة، وفوق ذلك لَا يريدون العزة للمؤمنين ولا يبتغونها لهم، ويريدون الذلة لهم، وعدم إيمانهم باليوم الآخر، يجعلهم يعتقدون أنه لَا تعويض لهم، وأن الدنيا وحدها هي الحياة، ويقولون إن هي إلاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين.


الصفحة التالية
Icon