ودعاء الرسول بالبركة يتخذونها قربات أيضا، ويزكي ذلك قوله تعالى بعد ذلك: (أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ).
وقد خطر على ذهني أن قوله تعالى: (وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) معطوفة على قوله (مَا يُنفِقُ قُرُبَات) أن الظاهر الصلوات المفروضة وليس الدعاء المقرون من الرسول بقبول الصدقات وإضافتها إلى الرسول - ﷺ - باعتبار الصلاة فرضت في القرآن، وبينها النبي - ﷺ - بيانا عمليا، فقال معلما للمؤمنين " صلوا كما رأيتموني أصلي " (١) فكانت صلوات المؤمنين جميعا هي صلوات النبي - ﷺ -، فكانت إضافتها إليه - ﷺ - باعتباره المبين لهذه الفرائض ويكون هؤلاء المتقون من الأعراب قد قاموا بالصلاة والزكاة معا، لَا يفرقون بينهما كما أراد المرتدون. ثم قال تعالى: (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهُمْ).
الضمير - على ما قلنا - يعود إلى الصلوات، وعلى قول أكثر المفسرين يعود إلى ما ينفقون في سبيله، ولا شك أن عوده إلى الصلوات أوضح؛ لأن الضمير مؤنث، وهو أجدر بأن يعود على جمع مؤنث.
و (ألا) هنا أداة تنبيه، وهي تفيد معنى القربة وتؤكده، وتغني عن ذكر وصف الصلوات بأنها قربة أيضا.
وقوله تعالى: (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ): (السين) لتحقق الدخول في الرحمة، والرحمة إما أن يراد بها الجنة وعبر عنها بالرحمة؛ لأنها نعيم مقيم وأعلى رحمة يعلو الإنسان إليها، وإما أن يراد بها الرحمة الشاملة المذكورة (... وَرَحْمتِي وَسِعَتْ كلَّ شَيْء...)، لتشمل الجنة وغيرها ويكون المعنى أنهم باتخاذهم ما ينفقون والصلوات - تحيط بهم رحمة الله تعالى لا يخرجون منها إلا إليها.
________
(١) سبق تخريجه.


الصفحة التالية