هذا ما قاله تعالى بالنسبة للمؤمنين وهو يدل على أنهم بقلوبهم الطاهرة سبقوا إلى التصديق والصدق، أما الكافرون فقالوا تحت تأثير استغرابهم وتعجبهم إن هذا لساحر مبين، هذا صوت الاستغراب، من غير موجبه، وبدل أن يقولوا آمنا (قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مبِينٌ)، أي بين واضح. حكموا بأنه ساحر مسترسلين في استغرابهم وأكدوا أنه ساحر بالجملة الاسمية، وبإن المؤكدة وباللام، والإشارة في هذا إلى النبي - ﷺ - وهو مسوغ لاستغرابهم، وعجبوا من إرسال رسول منهم ومن قدرة اللَّه تعالى، ولذا قال تعالى:
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ... (٣)
والأيام الستة ليست هي الأيام التي نعرفها؛ لأن ذلك مستحيل؛ لأن هذه الأيام التي نعرفها من دوران الأرض حول الشمس وما كانت الأرض ولا السماوات بما فيهما من شمس وقمر وسائر الكواكب والنجوم، ولذلك نقول إن الأيام الستة هي أدوار التكوين الذي أنشأ اللَّه به السماوات والأرض، ذكرها اللَّه في سورة أخرى:
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢).
ونرى من هذا النص السامي أن الأرض أخذت ستة أدوار ومثلها السماوات حتى كانت الأرض بطبقاتها وتكوينها، وكانت السماء بأبراجها ومصابيحها، وكانت الشمس ضياء والقمر نورا وقَدَّرَه منازل لنعْلَم عدَدَ السنين والحساب.