الثانية - قوله تعالى: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) تدل على كمال السلطان، وأنه لا يخرج عن سلطانه شيء في الأرض ولا في السماء، فالأرض باتساعها من جبال ووهاد ويابس وماء وأحياء وزرع وغراس كلها بتدبيره وسلطانه.
ثم قال سبحانه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) إشارة إلى خالق السماء والأرض وما فيهن ومدبر أمرهما وذو السلطان المستولي على كل شيء، والخطاب للإنسانية كلها لأنه رب العالمين.
ويلاحظ المتتبع لآيات اللَّه تعالى أن الإشارة تقترن بحرف الكاف ويكون الخطاب للنبي - ﷺ - ولأمته بالتبع، وضمير الجمع كما في هذا النص (ذَلِكُمُ) يكون إما للناس أجمعين، وإما للنبي - ﷺ - وأمته ابتداء. وهذا الخطاب للناس أجمعين، وذكر لفظ الجلالة فيه إشارة إلى أنه المستحق وحده بلا شريك وأنه المنشئ والمشرف على كونكم وقد رئكم ورباكم وتعهدكم (فَاعْبُدُوهُ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنه يعبد لأنه اللَّه المنشئ جل جلاله؛ ولأنه رب الوجود ولا يُعبد إلا وحده فاعبدوه عبادة تقتضي بطلان الشريك.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الاستفهام للتعزيز وطلب التذكر، و (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقديم، لأن الاستفهام له الصدارة دائما، وهمزة الاستفهام داخلة على (لا) والاستفهام لإنكار الوقوع بمعنى النفي ونفي النفي إثبات، والمعنى حض على التذكر، والتذكر أدنى التفكير، والمعنى تفكروا بأدنى التفكير فإنكم حينئذ تجدون اللَّه هو الذي يعبد وحده ولا يعبد سواه.
ثم بشر اللَّه بعد ذلك المؤمنين وأنذر الكافرين، فقال تعالت كلماته:
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤)
بعد أن بين اللَّه تعالى أنه خالق السماوات والأرض ومن فيهن ذكر سبحانه وتعالى أنه لم يخلقهم عبثا، بل إنه خلقهم ليعمروا الأرض ويقوموا فيها بالأعمال