واعتدال النفوس وحالهم هي العدل والقسط، ويقول البيضاوي في تفسيره (بِالْقِسْطِ) أي بعدله أو عدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم، ونرى أن هذا كله تشمله كلمة (القسط) وليس ثمة ترديد بين واحد منها.
وبعد أن ذكر سبحانه جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ذكر جزاء الذين يكفرون فقال سبحانه:
(وَالَّذِينَ كفَروا لَهُمْ شَرَابٌ منْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ) - ذكر القسط في جزاء الذين آمنوا على أنه مقابلة بين عمل صالح قويم مستقيم وجزاء عدل قويم، وذكر ما يستحقه المنحرفون من غير أن يذكر ما يدل على أنه جزاء، وذلك للدلالة على أن الجزاء مع عدله تفضل من اللَّه، وأن الكافرين حرموا من هذا الفضل ونالهم ما يستحقون، ولبيان أن الرجوع إلى اللَّه تعالى يقترن بالجزاء الذي هو عدل، وأن الناس خلقوا ليقوموا بالإصلاح، وإن الإعادة ليجازوا على هذا الإصلاح، أما المنحرفون المفسدون فإنهم ينالون ما يستحقون بسبب انحرافهم عن الفطرة التي فطر عليها الناس. وابتدأ سبحانه بالجملة الاسمية (وَالَّذِين كَفَروا) وذلك فيه أمور ثلاثة مؤكدة لشدة العقاب:
الأولى - الجملة الاسمية المؤكدة للحميم.
الثانية - التعبير بالموصول الذي يعتبر أن الكفر علة الحكم.
الثمالثة - اللام في قوله تعالى: (لَهُمْ شَرَابٌ) فإن اللام تفيد أنه أمر مختص بهم وليس لهم غيره.
والحميم: الحار الشديد الذي يقطع الأمعاء، فيقال: حممت الماء أي أحمه فهو حميم أي محموم، بمعنى مفعول إذا كان حارا حرارة شديدة تزيد عما يطيقه الجسم؛ ولذا قال اللَّه تعالى:
(هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)، وقال: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤).