وقد وصفهم سبحانه بالغفلة عن آياته: (هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) وهذه جملة معطوفة على ما قبلها.
الوصفان متغايران وإن كانا متلازمين.
أولا - وصفهم بعدم توقع لقاء اللَّه وأنهم قنعوا بالحياة الدنيا وما فيها واطمأنوا إلى ذلك واكتفوا به.
ثانيا - وصفهم بالغفلة، وأن الرضا بالحياة الدنيا والاقتناع بها لَا يكون إلا من غير المدركين المتنبهين لحقيقة الحياة وما بعدها.
وقد أكد سبحانه وتعالى غفلتهم بسبب انغماسهم في الأهواء والشهوات بالجملة الاسمية.
وفى ذلك أبلغ تأكيد لغفلتهم عن آيات اللَّه الكونية والأحكام التكليفية فكفروا وفسقوا عن أمر ربهم، وقد حكم اللَّه حكمًا صارمًا قاطعًا فقال:
(أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨) فهذه الآية الكريمة في مقام خبر (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُون لِقَاءنَا) وهي خبر (إن) بمقتضى السياق، ويكون الخبر مؤكداب (إنَّ) ويتضمن اسمها (أي اسم إن) سبب الحكم وهو الخبر؛ لأن اسم الموصول تضمنت صلته أنهم لم يتوقعوا لقاء اللَّه فانهمكوا في الشهوات وقنعوا بالدنيا وغفلوا عن آيات اللَّه، وكل ذلك تأكيد لسبب الحكم وهو أن يكون مأواهم النار.
وهنا نجد أسبابا تضافرت وأوجبت عقابهم:
أولا - اغتروا فلم يتوقعوا لقاء اللَّه.
ثانيا - رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وهووا في اللذات مرتعا.
ثالثا - غفلوا عن آيات اللَّه القرآنية الكونية والتكليفية.
وهذه أسباب متتابعة بعضها يتبع بعضا وكلها آثام، وقد قال تعالى: (أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ) والإشارة إلى الأوصاف السابقة واستحضارها إشعار بأنها السبب في هذا الجزاء.