(مَأوَاهُم النَّارُ) معناه المكان الذي يأوون وينتهون للإقامة فيه وكان القصد من المآوى الاستراحة لَا العذاب.
وقد علل اللَّه العقاب بقوله: (بِمَا كَانوا يَكْسِبونَ) والباء للجزاء والمقابلة بين ما فعلوا وما انتهوا إليه، والجمع بين الماضي في (كَانوا) والمستقبل في (يَكْسِبُونَ) دليل على الدوام والاستمرار فكانوا في غيٍّ مستمر، وبعد أن بين سبحانه حال وجزاء الذين لَا يرجون لقاءه ذكر في مقابله الذين آمنوا
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠).
هذا جزاء الذين يرجون لقاء اللَّه ويتوقعونه مستيقنين به؛ لأنهم آمنوا فيخافون العذاب ويرجون الثواب (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) ذكر اللَّه لهم جزاءين أولهما - أنهم بسبب الإيمان والعمل الصالح يهديهم ربهم إلى الحق دائما فلا تغمرهم الشهوات ولا يرتعون في الفاسد؛ لأن الإيمان نور في قلب المؤمن، به لا يفكر إلا في الحق، ولا يقول إلا الحق، ولا يعمل إلا الحق وسيره بين الناس لا يكون إلا بالحق، وقد قال رسول اللَّه - ﷺ -: " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " (١) ذلك أن النور يهدي فيزداد المؤمن بإيمانه إيمانا.
والعمل السيئ تَظْلُمُ به النفس فتضل، تبدأ في طريق الضلالة وتنتهي إلى الضلال البعيد، وقال - ﷺ -: " يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله " (٢)، وفي قوله تعالى:
(يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) إشارتان:
أولاهما - أن ذلك من الربوبية فهو يربي نفوس المؤمنين بما يهيئها للخير
________
(١) سبق تخريجه.
(٢) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ٨/ ٣١٢ بنحوه.


الصفحة التالية
Icon