وإن المشركين يتبرأون في إشراكهم بإنكار نبوة رسولهم، فكان لابد من أن ينكروا رسالة محمد ليسوغوا كفرهم وعنادهم، مع أن اللَّه تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ثم جاءوا يجادلون في أمره وكانوا قوما خصمين؛ يجادلون في كل شيء حتى القرآن بل يجادلون في اللَّه وهو شديد المحال.
جادلوا في القرآن وقد عجزوا عن أن يأتوا بمثله فقال تعالى عن ذلك:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) والذين يجادلون في الآيات هم الذين لَا يتوقعون لقاء اللَّه أي يكفرون بِالبعث والنشور ويقولون: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين)، وفي هذا إشارة إلى أن فيصل التفرقة بين الإيمان والكفر هو الإيمان بالغيب. والإيمان بالبعث والنشور، فإن الذين لَا يؤمنون بالغيب لَا يؤمنون باللَّه؛ لأن اللَّه سبحانه لَا نراه إنما هو القوة التي أنشأت الوجود وسيطرت عليه جل جلاله، فمن لم يؤمن بالغيب لَا يؤمن باللَّه العلي القدير، ومن لَا يؤمن باليوم الآخر لَا يمكنه الإيمان بالتكليف الإلهي؛ لأن الجزاء على ما يعمل الإنسان، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فهو يحسب أن اللَّه ترك الإنسان سدى، يموت ويحيا من غير تبعات يتحملها، ولا غاية يرجوها، بل يأكل ويشرب كالأنعام بل أضل سبيلا، فأساس الهداية الإيمان باليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب، يقول تعالى: (وِإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ) الآيات البينات القرآن، وتلاوته مرتلا قال تعالى: (كذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).
فالتلاوة قراءة القرآن كما أقرأ جبريلُ النبي - ﷺ -، فالقرآن محفوظ بذاته وروايته وترتيله عن اللَّه تعالى ومتواتر بلفظه وقراءته، وإن المشركين الذين لا يرجون لقاء اللَّه مع تحديهم وعجزهم عن أن يأتوا بمثله، يقولون كافرين متدللين: ائت بقرآن غير هذا، وفي قولهم هذا لَا يحتجون على أن المعجزة قرآن يتلى، وإنما يطلبون غيره من غير حكمة يقدرونها، ولا أمر يتعلق بالقرآن يريدون خلافه، كأنهم لَا يريدون تكليفاته ولا يريدون ما فيه من محاربة عقائدهم وشركهم، وهل


الصفحة التالية
Icon