إذا جاء غيره لن يكفروا به أيضًا، وإن هؤلاء المشركين حسبوا أن محمدا هو الذي أتى بهذا القرآن أو ادعوا ذلك، مع أن بُلغاؤهم المتمرسين بالبيان قالوا: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ما يقول هذا بشر، ومع هذا طالبوا محمدا - ﷺ - أن يأتي بغيره أو يبدّله، فإن جاء لامته الحجة بأنه ليس من عند اللَّه بل هو من عنده، وقولهم: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) ففي التغيير تسليم بأن المعجزة تكون قرآنا ولكن يريدون غيره، أما التبديل فهو يكون بإتيان معجزة عدا القرآن كعصا موسى، أو إبراء الأكمه والأبرص أو إحياء الموتى بإذن اللَّه لعيسى أو غير ذلك من المعجزات الحسية.. وقد طلبوها كما قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤).
هذا فيما نحسب هو التبديل الذي أرادوه بأن يستبدل المعجزة القرآنية بمعجزة حسية مادية لأنهم لَا يؤمنون، ولقد رد عليهم النبي يقول اللَّه تعالى: (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) وهذا الرد كان على التبديل؛ ولذلك نقول: أن الجواب أحد أمرين:
الأمر الأول - أن يكون إغفالا لطلب الإتيان بقرآن غير هذا باعتباره كلاما عابثا؛ إذ ما داموا قد سلموا بالمعجزة القرآنية، فلا فرق بين قرآن وقرآن، ما داموا قد عجزوا عن الإتيان بمثله.
ثاني الأمرين - الذي يحتمل أن يكون فيه الجواب، أن التبديل للمعجزة يشمل تغيير القرآن والإتيان بمعجزة أخرى فكان الرد على التبديل شاملا