ثم يبين سبحانه صفات النبي - ﷺ - في الصدق والأمانة وشرف النفس مما يوجب تصديقه فقال تعالى: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ) أميا صادقا لَا أقول شعرا، ولا كنت خطيبا فيكم، ولقد علمتم قولي وكيف اختلف عما أتلوه عليكم، وقد كنت وإياكم في بلد أمِّي لَا علم فيه ولا درس، لم أمارس علما أو ألق عالما، ثم قرأت عليكم كتابا أعجزكم بيانه وفصاحته وما فيه من علم غزير بالحلال والحرام والأخبار الصادقة، وقصص فيها العبرة لمن يعتبر، هكذا كان عمري فيكم قبل البعث.
(أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أظلا توازنون بعقولكم بين الحاضر، وبين ماض لَا يتفق وما جئتكم به.
وإن توجيههم إلى الماضي النبوي الكريم يدل على أمرين:
أولهما - أنه صادق شريف ينبغي الإيمان بقوله، وأنه لَا يدعي باطلا وأولى به ألا يكذب على الله إذ كان لم يكذب قط قبل.
ثانيهما - أنهم عرفوا كلامه وأنه كان بليغًا، وأنه لم يقرض شعرًا، ولم يرق منبرًا، فهذا الذي يتلى ليس من نوع كلامه ولا يمكن أن يكون من كلام أحد.
وقوله تعالى: (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الفاء) متأخرة عن تقديم، مترتبة على ما قبلها وأُخرت لمكان الاستفهام من الصدارة، والاستفهام إنكاري بمعنى نفي الوقوع، داخل على نفي، وهو (لا) ونفي النفي إثبات، فهو تحريض على التفكير والتدبر وألا يركب الشيطان رءوسهم فيهملوا عقولهم ويكونوا قوما بورا.
وهكذا كل من أهمل القرآن وتركه يريد معجزه أخرى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهمْ يَتَفَكَّرُونَ).
ثم أشار سبحانه إلى ظلم من كذب على الله أو كذب بآياته فقال تعالى: