(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)
" الواو " واصلة ما بعدها بما قبلها، والضمير في (يَعْبُدُونَ) يعود إلى المشركين، والذين لَا يرجون لقاء اللَّه، وينكرون البعث والنشور، ويحسبون أنهم خلقوا عبثا وأنهم إلى اللَّه لَا يرجعون، جعلهم ذلك الإنكار يسيرون في متاهات من الضلال تكاثف بعضها فوق بعض، فينقلبون في دركات الضلال دركة بعد دركة حتى ينتهوا إلى الشرك وهو الضلال.
(وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ)، (مِن) بيانية، أي أن معبودهم غير اللَّه تعالى الخالق لكل شيء مالك كل شيء الذي يدعونه مستغيثين في الشدائد ولا يلجأون إلى غيره فيما يُروِّعهم في السماء والأرض، وأنهم يستبدلون بعبادته حجرًا لَا يضر ولا ينفع، لَا يضرهم فيخافوا أذاه، ولا ينفعهم فيعبدوه رجاء خيره ونفعه.
(لا) في قوله تعالى: (وَلا يَنفَعُهُمْ) لتأكيد النفي السابق، فالعبادة تكون رهبة من الضرر أو رجاء للنفع، وهَؤلاء ضلوا ضلالا بعيدا فعبدوا ما لَا يُخاف ولا يُرجى.
وهكذا ركبهم الوهم والشرك كله أوهام في أوهام، ليس لهم عقل مدرك ولا بصيرة تميز الحق من الباطل، وهم في عمى وغفلة عن الحقائق، وإن الديانات التي تقوم على الأوهام كالنصرانية الحديثة تقوم على أوهام ليس لها منطق عقلي يدركها.
ولقد زينت لهم الأوهام عبادة الأحجار، ثم زينت لهم أمرا آخر هو ظنهم أن لها شفاعة عند الله، وهذا جمع غريب بين الشرك وبين العلم بأن الله وحده